استراتيجية المملكة أحد أهم العوامل في تحديد اتجاهات أسواق النفط العالمية
لم تكن الرؤية السعودية متقوقعةً في حدودها السياسية، فما يستشفّه خبراء النفط ومتابعو تلك الأسواق ينبئهم عن تغيرات قادمة في أسواق النفط العالمية، فالاستراتيجية السعودية دفعت التوقعات نحو القول بأن تبنّي سياسة توسيع أعمال التكرير سيعني تحوّل أغلب أسواق النفط من المنافسة في الخام إلى التنافسية في منتجاته مما يضعف دور «أوبك»، ويعمل على تحوّل مراكز القوّة والتحكّم من الدول المنتجة إلى الدول المكررة وهذا يعني بروز دور المملكة والولايات المتحدة والصين والهند، كذلك تحوّل اتجاهات تجارة النفط العالمية مما سيؤثر على حركة الملاحة الدولية وانخفاض دور الدولار في تجارة النفط العالمية.
في ذات الشأن قال كبير الاقتصاديين في شركة NGP لإدارة استثمارات الطاقة في إرفنغ بولاية تكساس الأميركية الدكتور أنس الحجي اتجهت بعض الدول الأفريقية كأنغولا ونيجيريا والجزائر إلى الأسواق الشرق الآسيوية؛ رغبةً منها في تعويض خساراتها جرّاء توقف واردات الولايات المتحدة النفطية منها، وهو الأمر الذي زاد من حدّة المنافسة في تلك الأسواق، كما أن الإنتاج في الأماكن العالية التكاليف بات مهدداً وذلك عقب تبنّي المملكة سياسة زيادة الإنتاج وتخفيض الأسعار.
وقال الدكتور الحجي إن من أهم المظاهر التي شهدتها المملكة خلال العامين الأخيرين هي العلانية في مواقفها، وأنها في غنىً عن «أوبك»، إلا أن المنظمة لا شيء بدون المملكة، حيث توجهت مؤخراً لتخصيص جزء من شركة أرامكو وجعلها شركة مستقلة من جهة، وزيادة حجم قطاع التكرير من جهةٍ أخرى، فخصخصة الشركة وجعلها مستقلة يعني أن هدفها الرئيس هو تعظيم الربحية، وتقديم مبدأ تعظيم الربحية وهو الأمر الذي قد يتعارض مع متطلبات أوبك أحيانا كتخفيض الإنتاج، كما أن تعيين خالد الفالح وزيرا للطاقة، وإنشاء وزارة للطاقة لم يكن مفاجئا، ولكن المفاجئ هو دمج الطاقة مع الصناعة، والذي قد يعكس الرؤية الجديدة لدور قطاع الطاقة بشكل عام ودور أرامكو بشكل خاص في الاقتصاد السعودي، وأن أسعار النفط سترتفع خلال السنوات القادمة، والأمل أن تستطيع السعودية زيادة صادرات النفط والمنتجات النفطية بدون زيادة الإنتاج.
وذكر أن هنالك العديد من العوامل الفاعلة في تحديد توجهات أسواق النفط العالمية من أهمها استراتيجية المملكة الجديدة، التي ستكون إحدى أهم هذه العوامل بسبب انتهاج سياسة الحصة السوقية، وقد كان من المنطقي في ظل التنافسية الكبيرة بأسواق النفط أن تفشل أية جهود رامية من قبل المنتجين لخفض أو تجميد الإنتاج، حيث عكس اجتماع الدوحة مؤخراً عدداً من الحقائق وهي أن جميع المنتجين أمام معاناة حقيقية جرّاء تراجع أسعار النفط وأن أقلّ المستفيدين من تجميد الإنتاج هي المملكة، كما أكدّ الاجتماع أمرين مؤثرين في مستقبل أسواق النفط وهما أن المملكة كانت ولا زالت وستبقى اللاعب الرئيس في أسواق النفط العالمية وأنها في غنى عن «الأوبك».
وأوضح الدكتور الحجي بقوله إن تبنّي سياسة توسيع أعمال التكرير فإن هذا يعني احتمال تحول أغلب أسواق النفط العالمية من المنافسة في النفط الخام إلى المنافسة في المنتجات النفطية، وهذا أيضاً يلغي دور أوبك لأن اتفاق الدول الأعضاء في أوبك على النفط الخام وليس المنتجات، إلا أن تحول أسواق النفط من المنافسة في الخام إلى المنافسة في المنتجات النفطية له انعكاسات عديدة أهمها تحول مراكز القوة والتحكم من الدول المنتجة إلى الدول المكررة، بينما ستتمتع الدول المنتجة التي لديها طاقة تكريرية كبيرة هدفها التصدير بقوة سوقية أكبر. هذا يعني بروز السعودية والولايات المتحدة والصين والهند، وتحول اتجاهات تجارة النفط العالمية، الأمر الذي قد يؤثر على حركة الملاحة في المضائق المائية مثل قناة السويس وغيرها.
كما أن هذا التنافس سيؤدي إلى تحسن كفاءة المصافي في أنحاء العالم، وقد ينتج عنه تطورات تكنولوجية هامة تسهم في تخفيض التكاليف وتحسين البيئة، وقد ينتج عن هذا التحول أيضاً انخفاض دور الدولار في تجارة النفط العالمية لسببين: الأول تكامل الشركات رأسيا، وهذا يعني أن التعامل ضمن الشركة بين قسمي الإنتاج والتكرير سيكون على الورق بدلا من التعاملات المالية بين شركتين، والثاني أنه يمكن بيع المنتجات النفطية بعملات الدول المستوردة للمنتجات كونها المستهلك النهائي لها.
وأضاف ان هذا التحول قد ينتج عنه تعاون من نوع جديد بين الدول النفطية في ظل غياب أوبك تقوم فيه دولة مثل المملكة بتخزين وتكرير النفط النيجيري مثلا سواء داخلها أو خارجها ومن ثم تصديره للعالم كمنتجات.
Comment