12 دولة أضعف من 7 شركات (23)
أنس بن فيصل الحجي
سبع شركات نفطية أثبتت أنها أقوى من 12 دولة نفطية، وجنت أرباحا تفوق أضعافا مضاعفة الناتج القومي لهذه البلاد على مدى عقود من الزمن. إن مقارنة كارتل شركات النفط العالمية التي سيطرت على أسواق النفط العالمية ما بين الثلاثينيات والستينيات من القرن الماضي، والتي عرفت بـ ”الأخوات السبع” بأوبك أمر منطقي لأن أوبك، والمكونة حاليا من 12 دولة، جاءت بعد فترة كانت تسيطر عليها شركات النفط العالمية على أسواق النفط.
هذه الشركات سيطرت على صناعة النفط العالمية خارج المنظومة الشيوعية بشكل كامل ومتكامل. والحديث عن وضع دول أوبك تحت سيطرة شركات العالمية ذو شجون، والقصص المؤلمة لا تنتهي، ومقدار ابتزاز الشركات لثروات هذه الدول لا يكاد يماثله مثيل، ولكن هذه الأمور ليست محور هذا المقال. كما أن المقارنة بين الشركات الحالية وأرباحها الخيالية بإيرادات دول أوبك ليس محور هذا المقال أيضا.
«أوبك» والأخوات السبع
بعد حرب أسعار مدمرة، اجتمع بعض رؤساء شركات النفط العالمية في أكناكري في سكوتلندة في عام 1928 وأقروا اتفاقية من 17 صفحة. وتم من خلال هذه الاتفاقية واتفاقيات لاحقة تقسيم السوق العالمية خارج المنظومة الشيوعية، الأمر الذي مكن هذه الشركات، والتي انضمت إليها شركات أخرى فيما بعد ليصبح عددهم 7، من الحصول على معدلات أرباح تقدر بضعفي أو ثلاثة أضعاف الصناعات الأخرى. مثلا، كان العائد على الاستثمار الخارجي في النفط في عام 1953 أكثر من 30 في المائة، بينما بلغ العائد 13.1 في المائة في صناعات التعدين والمناجم، و13 في المائة في القطاع الصناعي، و10 في المائة في القطاعات الأخرى.
وفيما يلي أهم الفروق بين أوبك والأخوات السبع:
- سيطرت الأخوات السبع على أغلب منابع النفط في العالم خارج المنظومة الشيوعية، حيث سيطرت هذه الشركات على 87.1 في المائة من أسواق النفط في عام 1953. ورغم أن أوبك تأسست في عام 1960، إلا أن سيطرة الشركات العالمية في عام 1972، 12 سنة بعد تأسيس أوبك، كانت 70.9 في المائة! وكما ذكر سابقاً فإن حصة أوبك السوقية تتراوح بين 40 و43 في المائة حاليا وأعلى ما وصلت إليه هذه الحصة هو 55 في المائة في عام 1974.
- سيطرت الأخوات السبع على الصناعة بالكامل عن طريق التكامل الرأسي من التنقيب والإنتاج إلى النقل والتوزيع والتسويق. دول أوبك تسيطر على الجزء الأعلى من الصناعة والمتعلق بالتنقيب والإنتاج فقط. أما النقل والتوزيع والتسويق في شتى أنحاء العالم فإن أغلبه ما زال تحت سيطرة شركات النفط العالمية. هذا الفرق بين أوبك والأخوات السبع مهم جدا لفهم سلوك أوبك وسبب ضعفها: النظام التكاملي للشركات ألغى سوق النفط الخام، وتركزت المنافسة على المنتجات النفطية فقط، بينما نتج عن سيطرة أوبك على احتياطيات النفط وجود سوق عالمية ضخمة للنفط الخام، ونقل المنافسة من سوق المنتجات النفطية إلى النفط الخام.
- أنشأت الشركات السبع أنظمة للمراقبة والعقوبات، وهي أنظمة لا تتبناها أوبك كما ذكر في الماضي.
- لضمان احتكارها لأسواق النفط العالمية وتحقيق أعلى أرباح ممكنة للمجموعة، قامت الشركات بتقسيم السوق وإمداد كل سوق من أقرب منبع له، بغض النظر عن الشركة المنتجة أو المسّوقة. أوبك ليس لديها هذا النظام حيث يمكن أن تبيع فنزويلا لدولة بعيدة مثل اليابان، بينما تستورد جاراتها في أمريكا اللاتينية النفط من دول الخليج أو إندونيسيا، القريبة من اليابان.
- بناء على اتفاقية الخط الأحمر فإن الشركات لم تستثمر في أي منطقة داخل الخط الأحمر إلا بمشاركة أو موافقة الشركات الأخرى. هذا التنسيق في مجال الاستثمار في المجال النفطي غير موجود في دول أوبك.
- التشاور بين الشركات لم يقتصر على الأسعار والإنتاج كما هي الحال مع دول أوبك، وإنما امتد إلى أمور تتعلق بالتكاليف والتكنولوجيا والعلاقات مع الدول المضيفة.
- السيطرة على أسواق النفط وتقسيمها مكن الأخوات السبع من عزل أثر السوق في منطقة ما على الأسواق في المناطق الأخرى. فإذا حدث فائض في سوق ما، فإن وجود هذا الفائض وانخفاض الأسعار الناتج عنه في تلك المنطقة لا يؤثر في المناطق الأخرى. هذه الحالة عكس ما نراه الآن، خاصة في فترة انخفاض الأسعار، حيث تتنافس أغلب دول أوبك للبيع في أي مكان.
- اتفقت الأخوات السبع على عدم تصنيع أي معدات وآليات جديدة إلا بعد استخدام فائض المعدات والآليات الموجودة لديها. فإذا احتاجت شركة إلى حفارتين، فإنه لا يتم تصنيع هاتين الحفارتين إلا بعد التأكد أن الشركات الباقية ليس لديها حفارات إضافية. هذه السياسة مكنت كارتل الشركات من التحكم بالإنتاج بشكل كبير. ولكن أوبك ليس لديها اتفاق كهذا، ووجود فائض من الآليات والمعدات لا يرفع التكلفة فقط، وإنما يمكن الدول الأعضاء من زيادة إنتاجها بشكل مستمر.
- استطاعت الشركات من السيطرة على السعر لعقود من الزمن ضمن نطاق معين مكنت الأخوات السبع من تحقيق أرباح ضخمة، في الوقت الذي نما فيه الطلب العالمي على النفط باستمرار. وكما ذكر في الحلقة الماضية فإن قوة الكارتل لا تقاس بمدى قدرته على رفع السعر، وإنما بقدرته على تخفيض التقلبات في السعر. لقد استطاعت شركات النفط العالمية تخفيض التقلبات في السعر، ولكن التقلبات التي شهدتها أسعار النفط العالمية خلال 40 سنة الماضية، أو منذ السيطرة المزعومة لأوبك على أسواق النفط، هي الأعلى في تاريخ النفط.
خلاصة الأمر أن الحلقات الماضية أوضحت أن صفات الكارتل لا تنطبق على أوبك، وأن منظمات السلع الأولية كلها أقوى من أوبك، وأن قوة أوبك، والمكونة من 12 دولة، أضعف بكثير من قوة الأخوات السبع. إذا كان الأمر كذلك، لماذا تستمر وسائل الإعلام العالمية وعدد من الساسة الغربيين باتسخدام كلمة ”كارتل” عند الحديث عن أوبك”. ولماذا فشلت أوبك كمنظمة، ودول أوبك بخبرائها ومراكزها البحثية، في إقناع العالم بعدم وصف أوبك بهذه ”الكلمة”؟ أخيرا، لماذا تستمر بعض وسائل الإعلام في دول أوبك، بما في ذلك التابعة للحكومة، في وصف أوبك بـ ”كارتل”؟
Comment