هل ستنهي تكنولوجيا خلايا الطاقة عصر النفط؟
كتب هذا المقال منذ حوالي عشرين عاما، وها هي بعض التوقعات تتحقق حيث قامت شركة تويوتا بإنتاج سيارة خلايا وقود حيث يتم استخراج الهيدروجين من الغاز الطبيعي، وتم اختيار الغاز الطبيعي بعد اكتشاف الغاز الصخري بكميات هائلة في الولايات المتحدة ولكن الخيار الأصلي كان البنزين أو الميثانول.
أنس بن فيصل الحجي
أكتوبر 7 2017
- خلايا الطاقة قد تزيد الطلب على النفط رغم أن البعض يعتقد أنها ستحل محله!
- استخدام خلايا الطاقة في الخليج يعتمد على تسعير الحكومات للمنتجات النفطية في الأسواق الخليجية.
قد تكون سعيداً إذا اشتريت أسهما في شركة ما منذ شهر ب 28 دولاراً للسهم الواحد ثم ارتفعت أسعار هذه الأسهم إلى 110 دولارات في آخر الشهر, أربعة أضعاف تقريباً خلال شهر واحد! وقد تكون أكثر سعادة لو اشتريت سيارة بدون صوت و بدون رائحة وبدون اهتزاز. وقد تكون في قمة السعادة لأن شراءك لهذه السيارة جعلك من أبطال حماية البيئة. ويعود سبب ذلك كله لما يسمى ب “خلايا الطاقة”.
فقد ارتفعت أسعار أسهم الشركات المنتجة لخلايا الطاقة بمقدار 3-4 أضعاف خلال شهر يناير (كانون الثاني) في بورصة نيويورك مما يعكس النجاح التكنولوجي الكبير الذي تقوم به هذه الشركات. ويتوقع أن تستمر أسعار الأسهم بالارتفاع نتيجة ازدياد الطلب على خلايا الطاقة وقيام العديد من شركات السيارات بإنتاج سيارات تجريبية تعمل على خلايا الطاقة مثل شركة هوندا و فورد و دايملر بنز.
وقد بنى وليم غروف, أول خلية طاقة في عام 1839 في مقاطعة ويلز البريطانية. و قد تم التطوير الفعلي لخلايا الطاقة في الستينات من القرن الماضي عندما قررت وكالة ناسا الأمريكية استخدامها في سفن الفضاء بدلا من الطاقة النووية. وقد تم استخدامها فعلا في سفينتي الفضاء أبولو و جميني حيث توفر هذه الخلايا الكهرباء و الماء حتى الآن. وقد تم الاهتمام بهذه التكنولوجيا مؤخراً نتيجة لنمو الوعي البيئي من جهة ومحاولة بعض الدول المستوردة للنفط التقليل من وارداتها النفطية. و يتم تطوير خلايا الطاقة حالياً بدعم من العديد من حكومات الدول المستهلكة مثل الولايات المتحدة و كندا وألمانيا و اليابان. ولاشك أن زيادة أسعار النفط مؤخراً ستزيد من اهتمام الشركات والحكومات بخلايا الطاقة.
ما هي خلايا الطاقة؟
خلايا الطاقة شبيهة بالبطاريات التي نستخدمها حاليا سواء كانت صغيرة كالتي نستخدمها في الساعات والهواتف وغيرها أو كبيرة كالتي نستخدمها في السيارات والشاحنات. وتقوم هذه الخلايا بتوليد الكهرباء والتي تمكننا من تشغيل الآلات والمعدات والسيارات. وتختلف خلايا الطاقة عن البطارية بأنها لا تنضب ولا تحتاج إلى شحن وإنما تحتاج إلى وقود مثل الهيدروجين والميثانول والإيثانول و الغاز الطبيعي و البنزين و الديزل وغيرها وبذلك فإن البطارية تقوم بتخزين الطاقة بينما تقوم خلايا الطاقة بتوليدها. وتحتاج الخلايا إلى هيدروجين و أوكسجين (من الهواء) حيث يتم تمريرهما ضمن الخلايا فينقسم الهيدروجين إلى إلكترون وبروتون. وطالما أن الحصول على الأكسجين يتم من الهواء, فإن المشكلة هي الحصول على الهيدروجين. و يقوم بعض المصنعين الآن بإضافة “محول وقود” مهمته الحصول على الهيدروجين من عدة أنواع من الوقود مثل الغاز الطبيعي و الميثانول.
إن سيارة تعتمد على خلايا الطاقة من الممكن أن تخزن الهيدروجين في خزان خاص. وتقوم الخلايا بدمج الأكسجين من الهواء مع الهيدروجين المخزن لتوليد الكهرباء. ويتطلب هذا توفر محطات “الهيدروجين” في كل مكان لملئ الخزان كما تتوفر محطات الينزين الآن. وهناك طريقة أخرى وهي توليد الهيدروجين على السيارة عن طريق ملئ الخزان بالغاز الطبيعي أو الميثانول. و هذا يتطلب أيضاً وجود محطات للغاز والميثانول والتي هي أكثر انتشاراً من محطات الهيدروجين.
منافع خلايا الطاقة
إذا كان القرن الماضي هو عصر النفط, فإن القرن الحالي هو عصر خلايا الطاقة. فهناك العديد من المزايا التي تجعل خلايا الطاقة الخيار الأول ضمن كل الخيارات المتاحة الآن لتمتعها بالمزايا التالية:
- تخفيض التلوث البيئي بشكل كبير حتى لو تم استخدام الغاز الطبيعي أو البنزين للحصول على الهيدروجين. أما إذا تم استخدام الهيدروجين من الماء فإن التلوث ينعدم تماماً. إن خلايا الطاقة, من الناحية البيئية, أفضل من أحسن أنواع البنزين المتوفرة حالياً والتي يتم معالجتها كيميائياً للتخفيف من التلوث البيئي الذي يسببه احتراق البنزين.
- هناك العديد من المنافع الاقتصادية لكل دول العالم بشكل عام و للدول المستهلكة للنفط بشكل خاص, حيث تدعي الشركات المنتجة لخلايا الطاقة والشركات الاستشارية التي توظفها أن استخدام خلايا الطاقة سيخفف اعتماد الدول المستهلة على وردات النفط وبالتالي تحسين ميزان المدفوعات. وتقدر شركة آرثر لتل الاستشارية أنه إذا قامت 20% من السيارات في أمريكا باستخدام خلايا الطاقة فإن ذلك سيولد 800 ألف وظيفة.
- ولعل أهم مزايا خلايا الطاقة زيادة الكفاءة في إنتاج الكهرباء. فمن المعروف أن جزءاً كبيراً من القدرة يضيع في توليد ونقل الكهرباء. فتزيد الخلايا التي تعتمد على الحامض الفسفوري كوقود الكفاءة ب 40%. وإذا تم استخدام البخار الناتج في توليد الكهرباء فإن الكفاءة ستزيد إلى 85%.
- ومن ميزاتها أيضاً سهولة التحويل من وقود لآخر حيث يمكن للسيارة أن تعتمد مثلاً على البنزين و الميثانول والكهرباء. أما إذا كانت السيارة تعتمد على الهيدروجين المخزن, فإنه يمكن الحصول على هذا الهيدروجين من عدة مصادر حتى من الفحم.
- نتيجة لتوليد الكهرباء عن طريق التفاعل الكيماوي وليس الاحتراق, فإن الخلايا تعمل بصمت وبذلك فإنها تخفف الضجة والاهتزاز.
مشاكل خلايا الطاقة:
- التكلفة: مازالت تكلفة إنتاج خلايا الطاقة والكهرباء الناتجة عنها عالية جداً. فالتكلفة الحالية بجدود 3000 دولار أمريكي لكل كيلو واط ويجب أن تنخفض ل 1500 دولار على الأقل لتبدأ في منافسة مصادر الطاقة الأخرى.
- عدم توفر البنية التحتية والتي تتمثل بمحطات الوقود ووسائل التوزيع والنقل والتخزين. كما تتطلب أيضاً وجود الكيان القانوني والمعايير الرسمية للسلامة. ويتوفر حالياً بعض محطات الهيدروجين التجريبية في بعض العواصم العالمية ولكنها محدودة وتتركز بالقرب من أساطيل الشركات أو الحكومات التي تستخدم هذا النوع من الوقود.
- ولعل أهم المشاكل الفنية التي تعاني منها خلايا الطاقة هو مسألة الحجم. فخلايا الطاقة كبيرة جداً ولكي تقوم بتسيير حافلة ركاب بالسرعة و القوة التي يوفرها محرك الديزل فإن حجمها يعادل نصف حجم الحافلة تقريباً وبذلك فإن عدد الركاب ينخفض إلى النصف!
- والمشكلة الأخيرة التي تعاني منها السيارات التي ستعتمد على خلايا الطاقة هي مشكلة إعادة التعبئة, ليس لعدم توفر المحطات فحسب, و إنما بسبب عدم قدرة السيارات الحالية بالسير لمسافات كبيرة بالخزانات الحالية.
خلايا الطاقة والنفط
تقوم حكومات الدول المستهلكة للنفط بدعم الشركات التي تقوم بتطوير خلايا الطاقة. وتقوم الشركات بتهويل الأمور في محاولة للحصول على الدعم فيقومون يتقدبم السيناريوهات المختلفة لأزمات نفطية في المستقبل ليس لها مكان إلا مخيلات كتاب السيناريوهات. ثم يقومون بتوضيح دور خلايا الطاقة التي “ستنقذ” المستهلك والاقتصاد والمجتمع ككل من كارثة محققة. ويدعون أن خلايا الطاقة ستقلل من الاعتماد على النفط القادم من الشرق الوسط وستحرر الدولة المستهلكة من كونها “رهينة سياسية” لدى الدول العربية المنتجة للنفط. وبناء على ذلك توقع البعض انخفاض أسعار النفط في المستقبل بل وللأبد.
وقد نسي هؤلاء أنه تطلب مرور أربعين سنة منذ أن تم تقديم أول سيارة فورد حتى قام 20% من الشعب الأمريكي باستخدامها. كما تناسوا أن شركات خلايا الطاقة نفسها وشركات السيارات التي ستستخدمها أعلنت أنها لا لاتتوقع الانتشار التجاري للسيارات التي تستخدم خلايا الطاقة حتى عام 2020! وهذا لا يتضمن الطائرات والقطارات والسفن التي ستستمر في استخدام النفط. كما تناسى هؤلاء أنه رغم أننا نعيش في عصر النفط منذ مائة عام, أن الفحم مازال يزود 40% من الطاقة في الولايات المتحدة!
و الحقيقة أن الطلب على النفط لن ينخفض بسبب تكنولوجيا خلايا الطاقة لأن التكنولوجيا الحالية توضح أنه سيتم استخلاص الهيدروجين من النفط (بما في ذلك الغاز). وسيكون التأثير السلبي الوحيد نتيجة زيادة الكفاءة في الاستخدام بحيث تسير السيارات لمسافة أطول بكمية أقل من النفط. ولكن حتى هذا التأثير لا يعتبر سلبياً لأنه يعني أيضاً استمرار النفط لفترة أطول من الزمن.
وإذا علمنا أن سكان العالم في تزايد مستمر, و أن إنتاج النفط من خارج دول أوبك في تناقص مستمر, فنستطيع أن نستنتج أن الطلب على النفط العربي سيستمر و أسعاره لن تنخفض بسبب تكنولوجيا خلايا الطاقة.
مستقبل خلايا الطاقة في الخليج
لا يتوقع انتشار خلايا الطاقة والسيارات التي تعتمد عليها في دول الخليج لعدة أسباب أهمها انخفاض أسعار البنزين وأنواع الوقود الأخرى نسبياً, و نظم الإعانات المختلفة التي تقدمها الحكومات الخليجية لشعوبها, وانخفاض مستوى الوعي البيئي, ونظام الحياة التي يتطلب السيارات الكبيرة والفخمة أحياناً.
و قد تم تاريخياً أن قام بعض الأفراد باستيراد أنواع خاصة من السيارات كالسيارات الكلاسيكية وذات المقود اليميني. ولا يتوقع أن يقوم أمثال هؤلاء باستيراد سيارات تعتمد على خلايا الطاقة لعدم توفر محطات الوقود في الخليج. وإذا ما تم استيراد هذه السيارات فإنه سيتم استيراد خزانات الهيدروجين معها و هو أمر مكلف جداً. إن مستقبل خلايا الطاقة في الخليج يعتمد على تسعير الحكومات الخليجية للمنتجات النفطية و الكهرباء.
النهاية
Comment