هل تهدد السيارات الكهربائية مستقبل النفط؟
أنس بن فيصل الحجي
نشر هذا المقال في موقع الإندبندنت العربية بتاريخ 25 مارس من عام 2019
يعتقد البعض خطأً أن أكبر مهدد لمستقبل النفط هو السيارات الكهربائية، لكن التوقعات تشير إلى أن أكبر انخفاض في الطلب على النفط سيأتي من تحسن كفاءة محركات البنزين والديزل
لسيارات الكهربائية حقيقة واقعة، وانتشارها الكبير لايمكن أنكاره، مهما كان سببه. إلا أن هناك مبالغة كبيرة في أثر السيارات الكهربائية في أسواق النفط، خاصة من بعض الهيئات والمؤسسات الاستشارية التي أنشأت خصيصا لمحاربة النفط والوقود الأحفوري من جهة، ولمحاربة أوبك من جهة أخرى.
في الوقت الذي يعتقد فيه البعض خطأً أن أكبر مهدد لمستقبل النفط هو السيارات الكهربائية، فإن كل التوقعات طويلة المدى، حتى من المنظمات والهيئات المعادية للنفط، تشير إلى أن أكبر انخفاض في الطلب على النفط سيأتي من تحسن كفاءة محركات البنزين والديزل، وأن هذا الأثر يبلغ ضعفي أو ثلاثة أضعاف الانخفاض الناتج عن انتشار السيارات الكهربائية. المثير في الأمر أن توقعات مؤيدي السيارات الكهربائية تحققت، ولكن ليس في الولايات المتحدة وأوروبا كما يتوقعون، وإنما في الصين!
هل هناك مبالغة فعلا في أثر السيارات الكهربائية في أسواق النفط؟
بالتأكيد، خاصة أن الزيادة في عدد السيارات الكهربائية شيء، وأثرها في أسواق النفط شيء آخر. وذلك للأسباب التالية:
1 – حلّ عدد كبير من السيارات والحافلات الكهربائية محل السيارات والحافلات التي تعمل بالغاز المضغوط. مثلاً، كل حافلات النقل العام الكهربائية في كاليفورنيا حلت محل الحافلات التي كانت تستخدم الغاز المضغوط. كما أن الولايات التي انتشرت فيها السيارات الكهربائية في الصين كانت الأكثر استخداماً للغاز المضغوط. وكان بعض الولايات الصينية تنوي التوسع في استخدام الغاز المضغوط والغاز المسال، ثم غيرت خططها للسيارات والحافلات الكهربائية. هذا يعني أن جزءاً من السيارات والحافلات الكهربائية الموجودة والتي ستوجد في المستقبل جاء على حساب الغاز وليس على حساب البنزين أو الديزل. المشكلة أن التقديرات المنشورة لانخفاض الطلب على النفط بسبب السيارات والحافلات الكهربائية تتجاهل هذه الحقيقة تماماً، ولديّ أدلة تشير إلى أن بعض بيوت الاستشارات تنشر الأرقام المبالغ فيها بشكل مقصود، رغم معرفتها بموضوع الغاز!
2 – عند تكرير النفط الخام في المصافي فإن حجمه يزيد. فالمصافي عبارة عن قدور ضخمة جداً يتم فيها تسخين النفط، وكما الأمر مع الماء وغيره، فإن حجمه يزيد. فإذا أدخلنا 100 برميل نفط خام عبر مصفاة، فإنه من الطبيعي أن نحصل على منتجات نفطية يتجاوز حجمها 100 برميل وقد يصل إلى 120 برميلاً أو أكثر أحيانا. المشكلة أن هناك مبالغة في تقديرات أثر السيارات الكهربائية على النفط؛ لأن المؤسسات والهيئات لا تأخذ في حسبانها هذه الزيادة. فإذا حلت الكهرباء محل 120 برميل بنزين، مثلا، فإنه لا يمكن القول إنها حلت محل 120 برميل نفط، وإنما 100 فقط حسب المثال السابق (تم تجاهل المنتجات الأخرى للتبسيط).
3 – تحلّ السيارات الكهربائية، في أغلب الأحيان محلّ السيارات ذات الكفاءة العالية في استخدام الوقود. ولا يتوقع أن يقوم شخص غني يقود سيارة فارهة ذات استهلاك عالٍ للوقود، باستبدالها بسيارة كهربائية صغيرة. المشكلة أن الأرقام المنشورة تستخدم متوسط استهلاك السيارات للوقود عند حساب الانخفاض في الطلب على النفط بسبب السيارات الكهربائية، وليس متوسط السيارات ذات الكفاءة العالية في استخدام الوقود. بعبارة أخرى، هناك مبالغة في انخفاض الطلب على النفط الناتج عن انتشار السيارات الكهربائية.
4- تشير البيانات إلى أن بعض السيارات الكهربائية في الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية هي السيارة “الثانية” وليست السيارة الرئيسة. وهذا الأمر يفسر عدة أمور منها زيادة استهلاك البنزين في بعض المناطق التي تنتشر فيها السيارات الكهربائية، ومنها ندرة السيارات الكهربائية القادمة من الولايات الأخرى مقارنة بالسيارات المستخدمة للبنزين. هذا يعني أن السيارة الكهربائية لم تحل محل سيارة البنزين، وأنما حلت محل بعض الرحلات فيها. وبالتالي فهناك مبالغة في أثر السيارة الكهربائية في انخفاض الطلب على البنزين.
5- تشير البيانات في أكبر سوقين للسيارات، الولايات المتحدة والصين، إلى زيادة كبيرة في مبيعات السيارات العائلية الكبيرة وانخفاض مبيعات السيارات الصغيرة. هذا يعني زيادة استهلاك البنزين والديزل بسبب تغيير نوعية السيارة إلى مقاس أكبر! ما نراه الآن هو تحول كامل في رغبات المستهلكين إلى السيارات الأكبر، وهذه تزيد من استهلاك الوقود من جهة، وتشكل عقبة أمام انتشار السيارات الكهربائية، المعروفة بصغر حجمها، من جهة أخرى.
6- التوقعات المستقبلية مبنية على فروض غير صحيحة. مثلا، سعر بيع السيارة بعد ثلاثة سنوات من الاستخدام مبني على سعر سيارة “تسلا”، والتي هي أحسنها، بينما سعر السيارات الأخرى بعد ثلاثة سنوات من الاستخدام أقل من ذلك بكثير. كما أن أغلب التوقعات تستخدم أسعار البنزين المرتفعة في أوروبا، والتي تبلغ أكبر من ثلاثة أضعاف السعر في الولايات المتحدة ودول أخرى. بعبارة أخرى، يحاولون إصدار بينات تشير إلى الفائدة الاقتصادية الكبيرة من السيارة الكهربائية، الأمر الذي يساعد على انتشارها. المشكلة أن البيانات “مضللة”، وبالتالي لن تنتشر السيارات الكهربائية كما يتوقعون، وأثرها في انخفاض الطلب على النفط سيكون أقل مما يذكرون.
7- التوقعات المستقبلية تفترض استمرار الدعم الحكومي للسيارات الكهربائية، كما تفترض انخفاضاً مستمراً في أسعار البطاريات، وزيادة أكبر في المسافات لكل عملية شحن للبطارية، وانتشاراً كبيراً ومكثفاً لمحطات الشحن، وانخفاضاً كبيراً في وقت شحن البطارية، وانخفاض تكاليف عمليات الشحن على الطرق السريعة. هذه فرضيات كثيرة قد لايتحقق بعضها أو أغلبها.
أخيراً، إذا نظرنا إلى مختلف التوقعات لعدد السيارات الكهربائية في المستقبل، نجد أن اثرها في تخفيض الطلب على النفط أقل من نمو الطلب على النفط الناتج عن نمو كبير، خاصة في الدول الأسيوية وغيرها من الدول النامية. هذا يعني أنه حتى لو افترضنا انتشاراً واسعاً للسيارت الكهربائية، فإن الطلب على النفط سيستمر في النمو. وينتج عن ذلك أن أثر السيارات الكهربائية سيكون في “نمو” الطلب على النفطـ، وليس في الطلب نفسه. بعبارة أخرى، الطلب على النفط سينمو، ولكن بمعدلات أقل من السابق.
وبشكل عام سيتوقف الطلب على النفط بالنمو في قطاع المواصلات عندما يتجاوز عدد السيارات الكهربائية المتواجدة في طرق العالم حوالي 500 مليون سيارة.
كم عدد السيارات الكهربائية الآن؟ حوالي 4 ملايين فقط!
Comment