هل اقتربت نهاية عصر النفط؟
هل اقتربت نهاية عصر النفط؟
د. أنس بن فيصل الحجي
تزامن مع ارتفاع أسعار النفط في السنوات الأخيرة انتشار واسع لنظرية مفادها أن إنتاج النفط العالمي اقترب من ذروته أو شارف على بلوغ الذروة. وعزز من ذلك نشر العديد من الكتب التي تحاول أن تثبت هذه النظرية.
المشكلة الأساسية في الموضوع أن أغلب مؤلفي هذه الكتب لا علاقة لهم بصناعة النفط على الإطلاق، والأنكى من ذلك أن ضعف الثقافة النفطية عند بعض الكتاب العرب جعلهم ينقلون عن هذه الكتب ظناً منهم أنها طالما نشرت باللغة الإنجليزية فهي صحيحة، ويا ليتهم توخوا الحقيقة من أهلها قبل النقل عن هذه الكتب. ضمن 14 كتاباً نشرت في السنوات الأخيرة عن انتهاء عصر النفط لا يوجد إلا كتاب واحد لجيولوجي متخصص قام بحساباته بنفسه، وجيولوجي آخر نقل عن زميله، أما بقية الكتاب فليس لهم علاقة بصناعة النفط على الإطلاق واعتمدوا في الغالب على كتابات هذين الكاتبين.
بدأ الحديث عن نضوب النفط في عام 1861 مع نضوب النفط في قرية بت هول في ولاية بنسلفانيا، أي بعد سنتين فقط من اكتشاف النفط بكميات تجارية في الولايات المتحدة. على الرغم من الحديث المستمر عن الموضوع إلا أن المقال الأول لم يظهر إلا في أواخر القرن التاسع عشر، الذي تنبأ بنضوب النفط خلال وقت قصير، ولكن النفط لم ينضب، بل على العكس، تم اكتشاف المزيد منه. ثم ظهر أول مقال علمي عن الموضوع في مجلة Engineering في نهاية عام 1918، وخلاصته أن النفط الأمريكي قارب على النضوب, حيث قدر المقال أن المتبقي سبعة مليارات برميل فقط! الولايات المتحدة، وبعد إنتاج مستمر على مدار 90 سنة تقريباً منذ نشر المقال، لديها أكثر من 22 مليار برميل!
ظلت هذه المقالات تظهر بين حين وآخر حتى بداية السبعينيات حيث أدى الارتفاع الكبير في أسعار النفط إلى التركيز على موضوع نضوب النفط مرة أخرى. في تلك الفترة نشرت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ونادي روما دراستين مستقلتين. كلتا الدراستين توقعتا انتهاء النفط في التسعينيات، وتوقعتا تجاوز أسعار النفط 100 دولار للبرميل. في نهاية التسعينيات بلغت احتياطيات العالم أكثر من تريليون برميل، ووصلت أسعار النفط في ذلك الوقت إلى أقل من عشرة دولارات للبرميل! خلال تلك الفترة لمع نجم جيولوجي بريطاني اسمه كولين كامبل، الذي يعد أبا مدرسة “ذورة إنتاج النفط” حيث ألف عدة كتب، وكتب عشرات المقالات التي حاول أن يثبت فيها أن إنتاج النفط بلغ ذروته أو كاد. المشكلة أنه توقع أن يصل إنتاج النفط العالمي إلى ذروته عام 1989، ولكن توقعاته فشلت، وكلما فشلت توقعاته أصدر الدراسة تلو الأخرى محركاً الذروة عدة سنوات للأمام. وكلما فشل توقعه، قام بتقديم توقع آخر، وهكذا. ففي الدراسة التي نشرها عام 1991 توقع أن يبدأ الإنتاج العالمي في التناقص نتيجة بلوغه الذروة عام 1998، ولما لم يتحقق ذلك قام بإصدار دراسة جديدة عام 1997 أخّر فيها الذروة إلى 2008. في أحد لقاءاتي معه أبديت له استغرابي من حقيقة مفادها أن كل من يتكلم في موضوع نضوب النفط هم من المتقاعدين، وليس من العاملين حالياً في قطاع النفط. كما أبديت له استغرابي من عدم حديثه عن الموضوع طوال 40 سنة قضاها في خدمة شركات النفط العالمية. أجابني بأن مهندسي النفط والجيولوجيين لا يجرأون على الكلام عن هذا الموضوع خوفاً من فقدهم وظائفهم، رغم معرفتهم بـ “الحقيقة”. فسألته إن كان يعلم بهذه “الحقيقة” عندما كان شاباً يعمل جيولوجيا في إحدى شركات النفط، فأجاب بـ “نعم”. عندها أجبته “إذا أخفيت الحقيقة عشرات السنين خوفاً على مصلحتك، لماذا تريد الناس أن يصدقوك الآن؟ فابتسم وهز رأسه ولم ينبس ببنت شفة!
أشار كامبل في كتاباته الأخيرة إلى أنه استخدم بينات خاصة تملكها شركته، وهي بينات باهظة الثمن وتقدر بعشرات الآلاف من الدولارات. الغريب في الأمر أن توقعات الشركة نفسها تخالف توقعات كامبل. وعندما سألت نائب رئيس الشركة عن ذلك قال إن كامبل كذاب لأنه طرد من الشركة عام 1997 وليس لديه أي بينات إضافية منذ ذلك الوقت، وليس لديه إمكانية الحصول على البيانات التي جددتها الشركة عدة مرات منذ ذلك الوقت! هذا يعني أن كل دراسات كامبل الجديدة ما زالت تعتمد على البينات القديمة. أما عن سبب الطرد فقال نائب رئيس الشركة أن كامبل كان يعمل مستشاراً ولكن الشركة لاحظت أنه يستخدم البينات لأغراض شخصية فتم طرده. ثم انضم إلى كامبل جيولوجي أمريكي اسمه جيمس ديفايس، الذي لم يتكلم عن الموضوع حتى تقاعده. توقعات ديفايس فشلت أيضاً، خاصة أنه لم يحدد فترة زمنية يبلغ فيها النفط الذروة، وإنما حدد اليوم والوقت حيث قال في إحدى كلماته في نهاية العام الماضي إن إنتاج النفط العالمي سيبلغ ذروته صباح عيد الشكر! ومع النجاح الكبير الذي حققته كُتب كامبل وديفايس انضم إلى الجوقة كتاب آخرون، ولكنهم ليسوا بمهندسي بترول أو جيولوجيين، وكان من بين هؤلاء ممول اسمه ماثيو سيمنز، الذي شكك في احتياطيات المملكة واكتسب من وراء ذلك شهرة واسعة. وادعى سيمنز أن له خبرة في هذا المجال لأنه قرأ 200 ورقة بحثية عن وضع النفط في المملكة واستنتج منها أن هناك مشكلة كبيرة في حقول النفط السعودية.
وكان أفضل رد على ما قاله سيمنز هو مقولة أحد مسؤولي “أرامكو” لأحد الصحافيين في العاصمة الأمريكية واشنطن معناها: إذا قرأت 200 بحث في علم الأعصاب، هل تسمح لي بأن أجري عملية جراحية لمخ جدتك؟ وكما فشلت توقعات كامبل ودفايس، فشلت توقعات سيمنس، التي وصل بعضها إلى درجة الفضيحة, حيث توقع وصول أسعار النفط إلى نحو 200 دولار للبرميل في شهر كانون الأول (ديسمبر) الماضي! مؤتمر جديد ونتائج جديدة عقد أخيرا المؤتمر السنوي لجمعية جيولوجيي البترول الأمريكية في مدينة لونج بيتش في ولاية كاليفورنيا. اللافت للنظر في المؤتمر أن مجموعة من الخبراء عرضت نتائج دراسة تبين أن إنتاج النفط العالمي سيصل إلى ذروته خلال الـ 15 إلى 20 سنة المقبلة. بغض النظر عن صحة هذه التقديرات إلا أن المهم أنها تنقض كل ما كتب عن الموضوع خلال السنوات الخمس الماضية، وتعارض توقعات زملائهم “المتقاعدين”، خاصة الذين يتوقعون بلوغ إنتاج النفط ذروته عام 2008. الخلاصة: التنبؤ بذروة النفط ليس علماً، ولا يعتمد على أسس علمية. إن الفشل الدائم لهذه التوقعات واعتمادها الكبير على نظرية المؤامرة يجعلنا نقول: سيكون هناك مؤتمر آخر ونتائج جديدة. وإن غداً لناظره قريب!ا
Comment