نفطيّات: دروس من تاريخ صناعة النفط (الحلقة الأولى)
أنس بن فيصل الحجي
الحلقة الأولى
مقدمة
تفتقر المكتبة العربية إلى مراجع في مجال النفط والطاقة بشكل عام، وتاريخ صناعة النفط بشكل خاص. والمشكلة أن أغلب الموجود موجه إلى المختصين في هذه المجالات، ولايوجد مراجع مبسّطة لغير المتخصصين، والذين يهمّهم معرفة هذه المواضيع، كون أغلب دخل العرب ومأكلهم ومشربهم ومسكنهم يأتي من دخل النفط، بطريقة أو بأخرى. من هذا المنطلق نشرت كتيب “مفاهيم نفطية” في (تويتر) تحت وسم #مفاهيم_نفطية، والذي يغطي أغلب المفاهيم والمصطلحات النفطية الشائعة ومعانيها، وأكرر التجربة نفسها في هذا الكتاب تحت وسم #نفطيات، والذي يغطي تاريخ صناعة النفط، والدروس الاقتصادية والسياسية والقانونية المستفادة منه.
تاريخ صناعة النفط طويل ومعقد، بسبب تشابك أمور النفط مع العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتقنية والقانونية والبيئية، ليس على المستوى المحلي فحسب، بل على المستويات الإقليمية والعالمية أيضًا. وهناك صعوبة في سرد تاريخ النفط، لعدة أسباب، أهمها: ارتباط النفط بنظرية المؤامرة من جهة، ولوجود أطراف متناحرة ينتج عنها روايات وتفسيرات مختلفة للقصة نفسها، كما أن هناك صعوبة في طريقة السرد: هل أقوم بسرد التاريخ بشكل تسلسلي، كما هو معهود؟ أم أركّز على تطور الأحداث الرئيسة، وأتابع سرد كل تطور أو حدث على حدة؟ بعد تفكير طويل ومحاولات عدّة للكتابة، قررت أن أتبع أسلوبًا غير معهود، وهو التركيز على الدروس المستفادة، وسرد التاريخ من خلال الدرس، لإثبات الدرس. بعبارة أخرى، الخلاف ليس على البحث وطريقة البحث، ولكن على طريقة عرض البحث ونتائجه على عموم الناس، والتي قد يستفيد منها المتخصصون أيضًا.
بناءً على ماسبق، فإن أهم الدروس المستفادة من تاريح صناعة النفط العالمية هي (و سيتمّ شرحها بالتفصيل في الحلقات التالية):
- الحاجة لإدارة السوق: إذا كان الهدف هو تخفيض ذبذبة أسعار النفط واستقرارها، وتخفيض تكاليف الإنتاج، وزيادة الكفاءة في مراحل الصناعة كافّةً، فإنه لابد من إدارة السوق، سواء من القطاع العام أو الخاص. وسيتم سرد وشرح كل الوقائع التي تؤيد ذلك خلال 150 سنة الماضية، ابتداءً من (روكفّلر) وانتهاء بتغريدات الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) التي طالبَ فيها (أوبك) بزيادة الإنتاج.
- محدودية دور (أوبك) في إدارة السوق: دور (أوبك) الكبير كان في تحقيق عائد أكبر لبلادها، ولكنها لم تستطع إدارة السوق. باختصار، )أوبك( أوقفت نهب شركات النفط العالمية لثروات البلاد النفطية، إلا أنها لم تستطع السيطرة على السوق وإدارته، كما فعل (روكفّلر) أو شركات النفط العالمية أو مصلحة سكة الحديد في (تكساس). وسيُعرض لاحقًا تاريخ (أوبك) ودورها في أسواق النفط العالمية، منذ إنشائها وحتى وقتنا الحالي.
- ارتباط النفط بالسياسة: النفط والسياسة توأمان، وهناك تداخل كبير بين النفط والسياسة على عدة مستويات، سيتم شرحها بالتفصيل. فالعوامل السياسية تؤثر في أسواق النفطـ، كما أن النفط يؤثر في القرارات السياسية. وسيتم مناقشة أهم العوامل السياسية التي التي أثرت في صناعة النفط العالمية تاريخيًا، وأثر النفط في القرارات السياسية المختلفة، وهذا يتضمن الأحداث السياسية في العشرين سنة الأخيرة، بما في ذلك الاحتلال الأمريكي للعراق، والعقوبات الأمريكية على إيران.
- ارتباط النفط بالتكنولوجيا: تزايد إنتاج النفط مع تزايد احتياطياته، وفشل نظريات النضوب وذروة الإنتاج، وبقاء أسعار النفط منخفضة نسبيًا، يعود إلى التطور التكنولوجي الذي تشهده صناعة النفط بشكل شبه يومي. فالنفط ينتج في أبرد المناطق في العالم وأحرّها، وينتج في المرتفعات والهضاب وفي قاع المحيطات، وينتج من أبار سطحية وأخرى سحيقة العمق، وفي بلاد ذات أنظمة سياسية واقتصادية مختلفة. في هذا الجزء سأتحدث أيضاً عن تطور صناعة النفط الصخري الأمريكي، وأثرها في أسواق النفط العالمية في السنوات الأخيرة، وكيف غيرت هذه الثورة معالم عالم الطاقة.
- مفهوم “أمن الطاقة” مصطلح سياسي غير “مفهوم”: يستخدم السياسيون مفهوم “أمن الطاقة” حسب مايشاؤون، بدون وجود مفهوم واضح له، وأحيانا بدون أن يفهموه هم أنفسهم. ثم يسنّوا القوانين والتشريعات التي تناسبهم وفقا لذلك المفهوم، فيؤثروا على صناعة النفط وتجارته، سلبا أو إيجابا. وينتج عن ذلك أحيانا قوانين تؤذي الدول المنتجة للنفط، وشركات النفط العالمية، والقطاعات المالية التي تدعمها. ونظرا لعدم وجود مفهوم واضح، فإن هناك تبعات كثيرة لهذه القوانين تضر بمستهلكي البلاد التي سنتها لايدركها السياسيون الذين أقروا هذه التشريعات. في هذا الجزء سأركّز على تاريخ ومفهوم “أمن الطاقة” في الدول المستهلكة وتبعاته على الدول المنتجة، وما يجب عمله لتفادي إصدار قوانين سيئة تضر بمصالح الجميع
Comment