نفطيّات: “الجُبْنة” تفكك امبراطورية روكِفِلّر (الحلقة السابعة)
دروس من تاريخ صناعة النفط
أنس بن فيصل الحجي
الحلقة السابعة
عرفنا حتى الآن أن (روكِفِلّر) سيطر على صناعة النفط الأمريكية والدولية، إلّا أن إمبراطوريته بدأت تضعف، نتيجة عوامل عدّة، ذُكر منها أربعة سابقًا، وهي:
- وصول النفط الروسي لآسيا عن طريق (قناة السويس)
- اكتشاف النفط في (إندونيسيا وبروناي).
- اكتشاف النفط في (تكساس)، وظهور المنتجين المستقلّين.
- اكتشاف محرّك الاحتراق الداخلي، وتبنّي البنزين كوقود.
واليوم سيتمّ التركيز على دور الحكومة الأمريكية في تفتيت إمبراطورية (روكِفِلّر). ولكن قبل مناقشة الموضوع، لابد من ذكر بعض التطورات التي أسهمت أيضًا في إضعاف شركة (ستاندرد).
بدأت شركة (شل) تعاني من مشكلات عدّة، منها انخفاض إنتاج النفط في (شرق تكساس و بروناي)، وتأزّمَ وضعها الماليّ بشكل خطير، بعد حريق مدينة (باكو) الشهير في 1905، بسبب إضراب العمال، ثم حرب أهلية بين التتر المسلمين والأرمن المسيحيين، وحصل من الفظائع ما يندى له جبين البشرية من الطرفين، وحُرقت آبار النفط، وجزء كبير من المدينة.
هذا يعني أن مصادر النفط الأساسية لشركة (شل) أصبحت كلها في خطر. في الوقت ذاته كان مؤسّس الشركة ورئيسها (ماركوس سامويل) مشغولًا بمناصب حكومية، وشغوفًا بتحصيل مايمكن تحصيله من ألقاب شرفية من ملك بريطانيا، (باختصار: يريد أن يصبح إنجليزيًّا نبيلًا مهما كلّف الأمر). هذه المشكلات انتهت بسيطرة شركة (رويال دتش) على شركة (شل) بالكامل. وتقاعد (ماركوس سامويل)، الذي اشترى يختًا من أعظم اليخوت في العالم وقتها، وقضى زمنًا طويلًا يجوب البحار، ويتنقل بين المدن الأوروبية.
مازلنا نتحدث عن (ماركوس سامويل)، اليهودي العراقي المهاجر لبريطانيا، والذي كوّن ثورة طائلة، وكان أول من شحن النفط بالسفن، وأول من أبحرت سُفنه في (قناة السويس). ولكن قصّته لم تنته هنا، بل كان له بُعْد آخر في صناعة النفط العالمية: تبنّي البحرية البريطانية النفط بدلًا من الفحم، الأمر الذي لم يغيّر مجرى الحربين العالميتين الأولى والثانية فقط، بل غيّر خارطة العالم، وجعل صناعة النفط أكثر إستراتيجية مما يحلم به رجال النفط.
اندماج (رويال دتش) مع (شل)، وتبنّي البحرية البريطانية للنفط، ثم التزام (رويال دتش شل) بخدمة التاج البريطاني في الحرب العالمية الأولى، لم يشكّل تهديدًا كبيرًا لسيطرة (روكِفِلّر) فقط، بل امتدّ الأمر لأبعد من ذلك، بعد اكتشاف البريطانيين للنفط في إيران في 1908م، وتشكيل شركة (أنجلو الفارسية للنفط) -التي أصبحت شركة النفط البريطانية الآن أو “بي بي”-، ثم دخول شركة (رويال دتش شل) الأسواق الأمريكية عن طريقة الاستثمار في حقول النفط، بالقرب من مدينة (تلسا)، في ولاية (أكلاهوما).. كل هذه الأمور مجتمعة، حجّمت من قوة شركة (ستاندرد). وكما لعب اختراع السيارات دورًا كبيرًا في أسواق النفط، وتقوية منافسي (ستاندرد)، اختُرعت الطيارات، التي تستخدم منتجات نفطية أيضاً، وبدأ طلب جديد على النفط، بسبب التقدم التكنولوجي.
5- تدخّل الحكومة الفدرالية وقرار المحكمة العليا بتقسيم شركة (ستاندرد)،
الحقيقة أنني احترتُ فيما إذا كان عليّ أن أجعل هذه الفقرة فقرتين، بدلًا من فقرة واحدة، بحيث تكون الفقرة الخامسة عن الدور الحقيقي للإعلام في المجتمع، والفقرة السادسة عن قرار المحكمة العليا، ولكن لارتباطهما ببعضهما في موضوع (روكِفِلّر)، دمجتُهما في فقرة واحدة. ولكن قد أعود إلى موضوع الإعلام فيما بعد، لأنه من أهم مواضيع الساعة.
قام (روكِفِلّر) بتبنّي طرق مختلفة لسحق منافسيه، حتى تمكّن من السيطرة على الصناعة. ونتيجة ذلك كان ضحاياه كُثرًا، وأغلبهم نظروا إليه وكأنه مجرم حرب، لكنهم لم يستطيعوا الوقوف في وجهه. وكلما تدخلت الحكومة في أمر ما، لم تتمكّن من إيجاد الأدلة، وكلما حاولوا حصره في زاوية، اكتشفوا أنه سبقهم بخطوتين أو ثلاث.
بداية النهاية لشركة (ستاندرد) جاءت على يد صحفيّة اسمها (إدا تاربل)، التي نشأت بين حفارات النفط في غرب (بنسلفانيا)، وشهدت بعينها كيف ابتلعت شركة (ستاندرد) الشركات الواحدة تلو الأخرى، وشهدت بعينها كيف قام (جون روكفلر) بإفلاس أبيها، ولكنها تعلّمت، وحصلت على شهادة جامعية، وهو أمر نادر للنساء وقتها.
كانت (إدا) مصرّة على فضح شركة (ستاندرد)، إلّا أنّ تحرّياتها لم تسفر عن شيء، لأن (روكِفِلّر) كان حريصاً للغاية، لدرجة أنها لم تستطع الحصول على أي أدلة، رغم معرفتها الشخصية به، حيث كانت صغيرة عندما كان يتنقل من مكان لآخر في المنطقة نفسها التي كانوا يعيشون بها في غرب (بنلسفانيا)، وكان يعرف أباها جيدا،ً لأنه كان من منافسيه.
ولكن فجأة تمكّنت من الوصول إلى (هنري روجر)،أحد كبار المدراء في الشركة، عن طريق الكاتب الشهير (مارك توين)! قدّم (هنري) معلومات ووثائق كثيرة، ولا أحد يعرف حتى الآن سبب مشاركته لأسرار وملفات كثيرة على مدى تسعة شهور من اللقاءات المتعددة في بيته ومكتبه، والتي نتج عنها أكثر من 30 تحقيقاً صحفيّاً، وأصبحت هذه التحقيقات الشغل الشاغل للناس وقتها، لدرجة أنها لفتت انتباه البيت الأبيض والكونغرس. وكان قد سبقها إصدار قانون “شيرمان” -نسبة للسيناتور (جون شيرمان) الذي قدم مشروع القانون- والذي يركّز على مكافحة الاحتكار.
إدا تاربل (1857-1944)
وعلى ضوء هذه التقارير الصحفية، جرت التحرّيات، وتمت محاكمة الشركة وإداريّيها، إلّا أن المشكلة في القانون الأمريكي أن الشخص المطلوب للمحكمة يجب أن يُبَلّغْ شخصيا بالحضور للمحكمة، فإذا لم يتم تبليغه شخصيًا، فلا يمكن أن تُعقد أي محكمة حتى يتمّ التبليغ.
بناء على نصائح محامي الشركة، اختفى (روكِفِلّر) مع المدراء الكبار، وأصبح على المُكلّف بتبليغهم أن يلاحقهم من مكان إلى مكان، بطرق مختلفة وبأوقات مختلفة، حتى تصيّد أغلبهم، وبلّغهم بالحضور للمحكمة، ومتى ماتم إبلاغهم ولم يحضروا، يصبحون مخالفين للقانون، ويمكن القبض عليهم، وزجّهم في السجن. ولكن (روكِفِلّر) اختفى لفترة طويلة، حيث أصبح أغنى رجل في العالم مطاردًا، ويتنقل من مكان لآخر متخفيًا، وما كان لهم أن يصلوا إليه لولا ولعه ببعض أنواع الجبن، حيث إنه -لعقود طويلة- كان يصرّ على أكل الجبن وقت الغداء، مهما كلّف الأمر، ولاحظ سائق سيّارة أجرة أنه في وقت محدد من كل يوم، يتمّ وضع صندوق جبن أمام باب بيت فخم، فبلّغ الشرطة، وهكذا اكتُشِف مكانه، وبُلِّغ بالحضور للمحكمة. وسبب ذكر هذه التفاصيل هو تفسير سبب تأخّر عقد المحاكمة.
وحكمت المحكمة ضد الشركة، واتّهمتها بالاحتكار. استأنفت الشركة القرار، ووصل الأمر إلى المحكمة العليا، وأيّدت المحكمة العليا القرار، وقضت بتقسيم شركة (ستاندرد) يوم 15 مايو 1911م، على أن يتمّ ذلك جغرافياً (حسب تواجد الأصول في كل ولاية)، وخلال ستة شهور. جاء هذا بعد جهد جبّار من المحكمة التي استمعت إلى 444 شاهدًا، وبلغ عدد صفحات القضيّة حوالي 12000 صفحة.
صورة لأحد تقارير إدا تاربل
كان (روكفلّر)، يلعب لعبته المفضلة (الجولف)، التي بلغ ولعه بها حدّ الجنون، عندما جاءه أحد المساعدين بقرار المحكمة، وكان يلعب مع صديق له يعمل قسّيساً، فكان أول ما فعله (روكفلر) بعد قراءة القرار، أن نظر إلى القسّيس، وقال له: هل لديك أي مدّخرات؟ اشتر أسهم شركة (ستاندرد)!
هذا الجواب لايمكن أن يتوقّعه أحد، من رجل ستُقسّم شركته، إلّا أنه كان يعرف ما لا يعرفه أحد! الدرس هنا: معرفة قراءة وفهم القوائم المالية من أهم خصائص المدير الناجح، والمستثمر النابغ!
لنعد إلى البداية، عندما كان مراهقًا، وعمل محاسبًا: معرفته بطرق وأساليب المحاسبة المختلفة، وممارسته لها بقية حياته، مكّنته من إخفاء الكثير من المعلومات. أدرك (روكفلّر) أن تقسيم شركته يعني أن قيمة الشركات منفصلة ستكون أكبر بكثير من قيمة الشركة الأم. وهذا ماحصل، حيث ارتفعت أسعار أسهم الشركات في الشهور الأولى بعد التفكيك مابين 65% و 123%. وهذا ما جعله أغنى رجل في العالم، وربما في التاريخ. ويكفي أن نذكر أن ثروته في ذلك الوقت بنقود اليوم أكثر من ضعف ثروة أغنى رجل في العالم حاليًا، ولكن لو حسبناها كنسبة من الناتج المحلي الأمريكي، فإن ذلك يجعله أغنى رجل -دون أي منازع- ربما حتى في القرون القادمة. وعندما تقاعد، وقرّر أن يتبرع للأعمال الخيرية، عيّن موظفًا لإدارة أعماله، فاحتجّ الموظف بأن تدفّق الأموال من الشركات المختلفة على الرجل المسنّ أكبر بكثير من كل ما ينفق، فأمره بزيادة الإنفاق على الأعمال الخيرية، ففعل ذلك، ولكن لم يغيّر ذلك من الأمر شيئًا، لأن تدفّق الأموال كان هائلًا. ثم قام بتأسيس جمعية خيرية باسمه، ووهب لها كمية ضخمة من المال، قُدّرت بما يعادل 1,3 مليار دولار بنقود اليوم. هذه الجمعية مازالت موجودة، وتعدّ من أكبر الجمعيات الخيرية في الولايات المتحدة، حيث تُقدّر الأموال التي تديرها بأكثر من أربعة مليارات دولار. ولكن من عجائب القدر، أن كل أموالها الأصلية جاءت من النفط، إلّا أن مجلس إدارتها الحالي قرّر وقف أي استثمار في الوقود الأحفوري -بما في ذلك النفط- وذلك لاقتناعه بأن الوقود الأحفوري يسهم في التغير المناخي والاحتباس الحراري!
ووفقًا لإحدى الدراسات، فإنه لو لم يتم تقسيم (ستاندرد)، فإن قيمتها السوقية كانت ستتجاوز التريليون دولار في بداية الألفية!
تمّ تقسيم شركة (ستاندرد) إلى 34 شركة، من هذه الشركات بعض أكبر الشركات في العالم مثل (أكسون) و(موبيل)، اللتين اندمجتا في عام 1998، وأصبحتا شركة (إكسون موبيل)، ومنها شركة (شيفرون)، و (ماراثون)، ومنها (أمكو) و(أركو) اللتين اشترتهما (بي بي) فيما بعد. و(بنز أويل) التي اشترتها (رويال دتش شل) فيما بعد، أمّا بقية الشركات الأصغر، فقد قامت الشركات الأكبر مثل (إكسون) وأخواتها بشرائها.
الصحف الأمريكية غطت خبر تقسيم ستاندارد بكثافة وفي صفحاتها الأولى
في الأشهر الأولى من تفكيك إمبراطورية (روكفلر)، كان المدراء يجتمعون أسبوعيًا، وكأن شيئا لم يكن، رغم أنهم يديرون شركات منفصلة ومستقلة تمامًا، إلّا أن (روكفلر) وشركاه مازالوا يملكون كل هذه الشركات. ولكن مع تقاعد هذه الشخصيات، ومجيء دماء شابة لهذه الشركات، بدأت تتباعد، ثم تتنافس فيما بينها، الأمر الذي أدّى إلى انهيار أسواق النفط فيما بعد، والذي سيكون محور الحلقة القادمة.
مايهمّنا في الموضوع مايلي:
- ما الدروس التاريخية من تجربة (ستاندرد) الاحتكارية؟
- ما الدروس المستفادة من إدانة الحكومة الأمريكية لـ(ستاندرد) بالاحتكار؟
الإجابة على السؤال الأول واضحة من التطورات التاريخية التي عرضت في هذه الحلقة وماقبلها، لايمكن لمحتكر أن يستمر باحتكاره بسبب قوى السوق، دخول منتجين آخرين من جهة، والتكنولوجيا من جهة أخرى، أسهم في إضعاف (ستاندرد). فعلى سبيل المثال، تقلّصت حصّتها السوقية في الولايات المتحدة من 90% إلى 60% قبل حلّها. بعبارة أخرى، من الصعب قبول نتائج الدراسة التي ذكرت أعلاه بأن قيمة (ستاندرد) لو لم تُقسّم لوصلت إلى ترليون دولار في بداية الألفية، لأن حصّتها السوقية ستتقلّص باستمرار بسبب المنافسة. وهذه التجرية تؤكدها تجربة (أوبك) حيث إن ارتفاع أسعار النفط أدخل – ويُدخِل دائمًا- لاعبين جددًا، وزاد إنتاج الشركات الموجودة، ممّا أدّى في النهاية إلى انخفاض حصّة (أوبك) السوقية.
باختصار، لو لم تتدخل الحكومة الفدرالية، وبقيت شركة (ستاندارد) لتضاءلت قوتها مع مرور الزمن على كل الحالات. ومع التطور التكنولوجي والاكتشافات النفطية الجديدة، كانت الشركة ستركز على الأصول التي ستعطيها عائد أعلى، كما يحصل الآن مع أكسون موبيل، وشيفرون، وبالتالي فإنها ستتخلى عن أصول كثيرة للمنافسين. ولعل المضحك في الأمر هو أن الأسباب التي طرحها (روكِفِلّر) منذ البداية لوجود شركة قوية توقف الهدر وتخفض التكاليف، هو سبب اندماج شركاته فيما بعد في ظل القانون، وهو سبب التدخل الحكومي لتخفيض الإنتاج فيما بعد! من هنا نستنتج أن المشكلة لم تكن في سيطرة (ستاندار) على صناعة النفط، ولكن في الطريقة التي اتبعتها للسيطرة عليها.
بالنسبة للسؤال الثاني، فإنه من الواضح أن إدانة (ستاندرد) توقّفت على موضوع “تقييد التجارة”، وما إذا كان هذا التقييد مستهدفًا، ويهدف إلى إيذاء الآخرين، سواء منافسين أو مستهلكين، وما إذا كان يجب التمسّك بحرفية كلمات القانون، أو بروح القانون. كل القضاة -ماعدا قاض واحد- أصرّوا على الاعتماد على روح القانون، وعلى إدانة الشركة بالاحتكار، وذلك لأنه تمّ التمسك بالنص الحرفي للقانون، فإن أي عقد تجاري -مهما كان- مقيّد للتجارة، وبالتالي فإن أي عقد يتنافى مع (قانون شيرمان) المضاد للاحتكار.
أهمية ماسبق: أنه إذا ماتمّ تبنّي قانون “لا أوبك” في الكونغرس الأمريكي، ووافق عليه مجلس الشيوخ، ووقعه الرئيس الأمريكي، فإن هذا سيعطي الحق للنائب العام بمحاكمة (أوبك) ودولها في المحاكم الأمريكية، بتهمة الاحتكار، مستخدمًا القانون نفسه الذي طبق على (ستاندرد) لتقسيمها. في هذه الحالة سيُنظر إلى أمرين: الحصّة السوقية، وما إذا كان هناك تقييد للتجارة ومنع الآخرين من دخول السوق. لايمكن بأي شكل من الأشكال مقارنة قوة (أوبك) بقوة (ستاندرد)، ولايمكن بأي شكل من الأشكال مقارنة ما تقوم به (أوبك) بما قامت به (ستاندرد). فالأدلة التي جمعتها الصحفية (إدا) تشير إلى وجود مخطط مدروس من قبل قادة (ستاندرد)، للسيطرة على السوق، وطرد المنافسين، بأساليب ملتوية، لاتتناسب مع الأخلاق والقوانين. أمّا (أوبك) فهي منظمة دولية ضعيفة، لم تتفق دولها في أغلب الأحيان، وإذا اتفقت على الورق، فعلت شيئًا آخر غير المتّفق عليه في الواقع. وكما قال أحد المؤرّخين، فإن (روكفلر) كان يعتقد أنه إذا كان منافسه يحقق ربحًا قدره دولار، فإن هذا الدولار من حقّ (روكفلر)، وسيبذل أقضى جهده لإزاحة الشريك، وأخذ أرباحه!
إلا أن هناك أمر سيناقش لاحقاً، وهو تهمة “التلاعب بالأسعار”، وهذا سيناقش في حينه.
لكلّ شيء نهاية
جون روكفلر وعمره 88 سنة
في نهاية المطاف، لنعد إلى البداية، كان (روكفلر) يهدف إلى 100 و 100: أن يجمع مئة مليون دولار، وأن يعيش مئة عام. الرجل أضعاف ما كان يحلم به، ومات يوم 23 مايو من عام 1937، عن عمر يقترب من 98 سنة. وكما كانت نهاية (ماركوس سامويل) غريبة نوعًا ما، لم يخلُ موت (روكفلر) من الغرابة، فقبل أن يموت بسويعات، دفعَ كل ديون الكنيسة التي كان يذهب إليها.
الآن عرفنا نهاية (ماركوس سامويل)، وعرفنا نهاية (روكفلر)، وعرفنا نهاية شركة (ستاندرد)، ماذا عن نهاية أول ناقلة نفط عبرت (قناة السويس)، والتي كان يملكها (ماركوس سامويل)؟
حاملة النفط هذه غرقت بالقرب من (قناة السويس) التي شهرتها. وكان ذلك في الحرب العالمية الأولى، بعد أن ضربتها غواصة ألمانية بصاروخ. لنتذكر أن إدارة القناة سمحت لهذه السفينة بالعبور، لأنها آمنة، ولايمكن أن تنفجر بحمولتها. وفعلًا، ضربها صاروخ، ولم تنفجر، ونجا طاقمها إلّا شخصًا واحدًا، غير أن الفتحة التي سبّبها الصاروخ أدّت إلى غرقها في البحر المتوسط، بالقرب من مدخل القناة، وذلك يوم 21 ديسمبر 1916م.
خلاصة ما سبق هو أنه على الرغم من أن هناك عوامل عدة أسهمت في إضعاف قوة إمبراطورية (روكِفِلّر)، إلا أن الذي أنهاها هو الإعلام. فلولا التقارير الحرفية والقوية التي كتبتها (إدا تاربل)، لما تفاعل البيت الأبيض والكونغرس مع الموضوع، ولما قام النائب العام بالدعوى على الشركة. ولكن مازال هناك من يرى أن خيانة (هنري روجرز) هي السبب! ولولا ولع (روكِفِلّر) بالجبن، لما اكتشف مكانه، وتأخرت المحكمة سنوات، وتغير من في البيت الأبيض والكونغرس، وتناسى الناس تقارير (إدا تاربل)، وبالتالي بقيت تنادارد على حالها! في هذه الحالة، ما أسقط (ستاندارد) هو أن شهوة الأكل غلبت الرجل القوي (جون روكِفِلّر)!
سؤال: ما علاقة “جون روكِفِلّر” بالسعودية؟ الجواب في حلقات قادمة!
Comment