نجاح العملة الخليجية الموحدة يتطلب توزيع الأصوات حسب حجم الاقتصاد

أنس بن فيصل الحجي
قد يظن البعض أن اعتماد الخليج على النفط كمصدر أساسي للدخل سيهدد مستقبل العملة الخليجية الموحدة، التي أطلق عليها مؤسسها الحائز على جائزة نوبل روبرت مانديل “الدينار”. لكن مانديل يؤكد أن تشابه اقتصادات دول الخليج واعتماد كل هذه الدول على النفط لا يشكل خطراً على التكامل الاقتصادي بين هذه الدول أو على مستقبل “الدينار” الخليجي، بل إنه يسهل التنسيق بين هذه الدول. إن انخفاض أو ارتفاع أسعار النفط يعني أن كل هذه الدول تواجه الظروف نفسها، مما يساعدها على اتخاذ سياسات مالية مشتركة.
العوائق والتحديات
يرى مانديل أن تنازل الدول الخليجية عن عملاتها المحلية خطوة سياسية كبيرة، خاصة أن العملة المحلية جزء من كيان الدولة. إن وجود عملة موحدة يفقد الدولة سيطرتها على السياسات المالية والنقدية ويلغي مصرفها المركزي لصالح مصرف مركزي مشترك. ويتوقع مانديل أن ترفض بعض دول الخليج العملة الخليجية الموحدة إذا حلت محل العملات المحلية لأن لهذا الإحلال إسقاطات سياسية، لذلك فإن من أهم شروط نجاح العملة الخليجية الموحدة هو أن توجد إلى جانب العملات المحلية لتلافي الخلاف حول الآثار السياسية لوجود عملة واحدة هي العملة المشتركة.
من هذا المنطلق فإن مانديل يعتبر أن أهم عائق هو العائق السياسي. فهو يرى أن توافر الرغبة السياسية في إيجاد عملة موحدة سيسهل الانتقال إلى العملة الموحدة واستقرارها. ويشير مانديل إلى وجود رغبة سياسية ضمن أغلب دول مجلس التعاون لإنشاء العملة الموحدة ويستدل على ذلك بموافقة دول مجلس التعاون على تعريفة جمركية موحدة، الأمر الذي يدل على أنه يمكن أن يتم الاتفاق على عملة موحدة وسياسة مالية موحدة، وإن كان ذلك يتطلب فترة طويلة من الزمن. أما العائق الثاني فإنه يتعلق بعمليات التنسيق. فمانديل يرى أنه يجب الاتفاق على هدف موحد للسياسة المالية كتحديد معدل معين للتضخم مثلاً، أو تحديد مستوى معين لأسعار الصرف بين العملة الخليجية الموحدة والعملات الرئيسية الأخرى مثل الدولار واليورو. كما أنه يتطلب الاتفاق على مقياس واحد لكل الدول لقياس مستويات الأسعار والتضخم.
أثر السعودية كونها أكبر دولة خليجية
يعتقد مانديل أن المخاوف من فشل العملة الخليجية الموحدة أو حتى الاتحاد المالي بين دول الخليج بحجة عدم تجانس الدول الأعضاء من ناحية حجم الاقتصاد والمساحة والسكان، خاصة إذا تمت مقارنة السعودية ببعض الإمارات الخليجية الصغيرة، لا مسوغ لها على الإطلاق. فهو يرى أنه يجب التركيز على حجم الاقتصاد بدلاً من مساحة البلاد المشاركة وأعداد سكانها.
ويرى مانديل في وجود السعودية في دول الخليج فوائد عديدة، ويشبّه وجودها ضمن دول مجلس التعاون الخليجي بوجود ألمانيا في دول الاتحاد الأوروبي. حذر مانديل دول الخليج من تكرار الخطأ الذي وقع فيه الاتحاد الأوروبي عندما قرر الاتحاد إعطاء الدول الأعضاء أصواتاً متساوية بغض النظر عن حجم اقتصاد كل دولة. فمانديل يعتقد أن الاتحاد الأوروبي أخطأ عندما لم يعط ألمانيا وزنها الحقيقي وأعطاها صوتاً واحداً مثلها مثل الكسمبورج، صغرى دول الاتحاد الأوروبي.
يؤكد مانديل أن نجاح العملة الخليجية يتطلب وجود بنك مركزي موحد يتم تصويت الدول الأعضاء فيه بناء على وزنها الاقتصادي. لذلك فإنه يجب إعطاء السعودية أصواتاً أكثر من الدول الخليجية الأخرى، ويجب توزيع الأصوات حسب حجم الاقتصاد في كل دولة، وتغيير هذا التوزيع إذا تغير الوزن النسبي لاقتصادات هذه الدول مع مرور الزمن. يؤكد مانديل أن تقسيم الأصوات حسب الوزن الاقتصادي لكل دولة خليجية سيؤدي إلى تحديد وتوضيح دور الدولة الكبيرة، بل تحجيمه أحياناً لصالح الدولة الصغيرة.
وسينتج عن عدم تقسيم الأصوات بناء على الوزن الاقتصادي قيام الدولة الكبيرة بالتأثير في سياسات الاتحاد بشكل عشوائي ومتقلب. وقد ينتج عن ذلك أن تأثيرها سيكون غير واضح، وغير ثابت، وغير مرسوم. وبما أن الاقتصاد السعودي هو أكبر اقتصاد في دول مجلس التعاون، فإن مانديل يتوقع أثراً واضحاً للسعودية في السياسات النقدية والمالية, لأنه لا يتوقع أن تقوم الدول الأخرى بتقديم سياسات نقدية ومالية معارضة تماماً للسعودية.
خلاصة رأي مانديل أن الاتحادات أو التكاملات الاقتصادية القائمة على صوت واحد لكل عضو مهددة بالفشل. تلعب الدولة الكبيرة في الاتحاد دوراً كبيراً ومؤثراً في سياسات الاتحاد المالية والنقدية، سواء أعطيت صوتاً واحداً أو أعطيت أصواتاً تتناسب مع حجمها. هذا التأثير يصبح عشوائياً لا يتسم بالوضوح ويتذبذب حسب المصالح الاقتصادية والسياسية للدولة الكبيرة إذا لم تعط إلا صوتاً واحداً أسوة بالدول الأعضاء. لذلك فإن نجاح العملة الخليجية يتطلب توزيع الأصوات على دول الخليج حسب حجم اقتصاداتها. نشر هذا المقال منذ أكثر من 12 عاما في جريدة الاقتصادية السعودية
Comment