ما السعر الأمثل للنفط الخليجي؟
– السعر الأمثل غير معروف و يتطلب تعريفه وتحديده حث ودعم وزارت النفط الخليجية للباحثين والمفكرين والأكاديميين للبحث في هذا المجال.
– الأسعار المرتفعة تخفض الحصة السوقية للدول الخليجية وتشوه سمعتها في الغرب والأسعار المنخفضة تضر بالاقتصاديات الخليجية.
أنس بن فيصل الحجي
ما السعر الأمثل للنفط الخليجي؟ هل السعر الحالي للنفط هو السعر الأمثل للنفط الخليجي؟ هل الأسعار المرتفعة تمثل الأسعار المثلى؟ وما هي العوامل التي تجعل سعر النفط “مثالياً”؟ وما هي خصائص السعر “المثالي”؟ ومن هي الهيئة أو المجموعة التي يقع على عاتقها تعريف السعر “المثالي”؟ إن الإجابة على هذه الأسئلة ليست بالسهولة التي يتصورها البعض, خاصة أن أسعار النفط تحكمها عوامل سياسية واقتصادية و فنية وجيولوجية و طبيعية عديدة تجعل التحكم بها صعباً للغاية.
ولا يهدف هذا المقال إلى تعريف السعر الأمثل وتحديده, بل يهدف إلى رسم إطار عام يمكن من خلاله تطوير أفكار ونظريات للوصول إلى السعر الأمثل للنفط الخليجي. كما يهدف إلى تشجيع الخبراء والمتخصصين على الإدلاء بدلوهم والمشاركة في مناقشة هذا الموضوع الحيوي الذي لم تستطع دول أوبك الإجابة عليه حتى الآن.
وقبل الخوض في تفاصيل الموضوع لابد من ذكر الدروس التي تعلمناها خلال 30 سنة الماضية التي شهدت تقلبات حادة في أسعار النفط. الدرس الأول هو أن النفط سلعة استراتيجية واقتصادية و سياسية. وهذا يعني أن “السعر الأمثل” من وجهة نظر دول الخليج يختلف عن “السعر الأمثل” في النظرية الاقتصادية. فالسعر الأمثل في النظرية الاقتصادية هو السعر الذي يعظم الربح أو الثروة. ولكن السعر الأمثل للنفط يتضمن أموراً أخرى مثل الأمن والسياسة الداخلية والخارجية واستراتيجيات التجارة الخارجية. إن رفع أسعار النفط بشكل كبير يعرض دول الخليج لخطر الاحتلال, أو المقاطعة, أو العقوبات الاقتصادية. الدرس الثاني أن لسعر النفط انعكاسات سياسية داخلية وخارجية مما يجعل قرارات الدول الخليجية النفطية صعبة من جهة, وهامة عالمياً من جهة أخرى. إن تداخل العلاقات الدولية يجعل تسعير النفط أمراً معقداً بسبب انعكاساته الكثيرة. الدرس الثالث أن الطلب المستقبلي على النفط يعتمد على أسعار النفط الحالية وانعكاساتها على توقعات المتعاملين في الأسواق. وبعبارة أخرى فإن ارتفاع أسعار النفط يخفض الطلب على النفط, مما يخفف أسعاره ويؤدي إلى هبوط عائدات الدول المنتجة. ويؤدي انخفاض الأسعار إلى زيادة الطلب على النفط في الوقت الذي لا تستطيع فيه الدول المنتجة زيادة الاستثمار في قطاع النفط لمقابلة الطلب المتزايد عيه. والدرس الرابع أن هناك عدة بدائل للنفط منها الناضب مثل الفحم وغير الناضب مثل الطاقة الشمسية. وأدى ارتفاع أسعار النفط تاريخياً إلى تشجيع استخدام هذه البدائل, كما أدى إلى تشجيع التكنولوجيا في هذه القطاعات مما أدى إلى تخفيض تكاليف إنتاجها. الدرس الخامس أن النفط مصدر ناضب و العالم بحاجة ماسة لإيجاد مصادر بديلة يوماً ما. وهذا يعني أن سعر النفط سيؤثر على وجود هذه المصادر في المستقبل. الدرس السادس أن التطور التكنولوجي لا يمكن عكسه. فزيادة كفاءة محركات السيارات التي سببها ارتفاع أسعار النفط في السبعينات لم تنعكس مجرد انخفاض الأسعار في الثمانينات.
وبناء على هذه الدروس فإن السعر الأمثل للنفط من وجهة نظر دول الخليج هو السعر الذي يضمن زيادة مستمرة في الحصة السوقية لهذه الدول مع إيرادات مستقرة كافية لتحقيق تنمية اقتصادية تضمن عدم اعتماد الاقتصاد الخليجي على النفط في المستقبل. ومن صفات السعر الأمثل أنه لا يؤدي إلى وأد مصادر الطاقة البديلة, ولكنه لا يؤدي أيضاً إلى نموها السريع وغير الكفء. إن وجود مصادر أخرى ونموها باستمرار يخفف من الضغط السياسي والاقتصادي على الدول الخليجية.
و لكن هذا التعريف شامل وعام لدرجة أنه يثير العديد من التساؤلات. إنه لا يقدم حلولاً تفيد صانعي القرار عن كيفية تسعير النفط. فما هو مقدار الزيادة في الحصة السوقية لدول الخليج وما هي المحددات التي تحكم هذه الزيادة؟ وما هي الحصة الإنتاجية المثلى لهذه الدول؟ وما هي التنمية الاقتصادية؟ وما هي نسبة اعتماد الاقتصاد الخليجي على النفط التي تمكننا من القول بأن الاقتصاد الخليجي لم يعد يعتمد على النفط كمصدر أساس للدخل؟ هل هي 50%؟ 40%؟ أم 20%؟
إن الإجابة على هذه الأسئلة تمكننا من استخدام التعريف السابق للسعرالأمثل للنفط الخليجي كما تمكننا من معرفة هذا السعر. و نظراً لصعوبة الإجابة على هذه الأسئلة فإنه من الواضح أن على وزارات النفط الخليجية و شركات النفط الخليجية حث الأكاديميين والمفكرين والفلاسفة ودعمهم حتى يتمكنوا من الإجابة على هذه الأسئلة. وهنا يجب أن ننوه أن الإجابة على هذه الأسئلة تحتاج إلى سنوات عديدة من الدراسة والبحوث يقوم بها متخصصون في مجالات عدة.
و تتعقد مسألة تحديد السعر الأمثل إذا أدركنا التأثير السياسي لأسعار النفط على المنطقة. فالسعر الأمثل للنفط يجب أن يضمن الاستقرار السياسي داخلياً وخارجياً. إن انخفاض أسعار النفط لن يمكن الدولة من الإنفاق على البنية التحتية و مشاريع الخدمات, كما أن زيادة الإنتاج وتخفيض أسعار النفط ستؤدي إلى سوء العلاقات السياسية ضمن دول الخليج من جهة, و بين دول الخليج والدول المنتجة الأخرى من جهة أخرى. كما ستؤدي إلى سوء الوضع الاقتصادي والسياسي في هذه الدول, كما قد تؤدي على قلاقل سياسية. إن إي سعر غير مثالي سيؤدي إلى انخفاض إيرادات دول الخليج, إما بسبب انخفاض الأسعار أو بسبب انخفاض الحصة السوقية وما يتبع ذلك من مشاكل اقتصادية واجتماعية وسياسية, كما أنه سيؤدي إلى مشاكل سياسية داخلية وخارجية. ويمكننا القول بأن السعر غير المثالي للنفط سيؤدي إلى مشاكل عديدة, ولكن وجود هذه المشاكل لا يعني بالضرورة أن تسعير النفط ليس مثالياً لأن هناك عوامل عديدة قد تؤدي إلى وجود هذه المشاكل. لذلك فإن أمور التسعير وما يتعلق بها معقدة للغاية.
أثر أسعار المرتفعة
أدى ارتفاع أسعار النفط بشكل كبير في السبعينات وأوائل الثمانينيات إلى عدة نتائج سيئة مازلنا نعاني من بعض نتائجها حتى يومنا هذا. و نظراً لوجود هذه النتائج السيئة فإنه من الواضح أن السعر الأمثل للنفط الخليجي لا يقع ضمن هذه الأسعار. وفيما يلي ثلاثة آثار نتجت عن أسعار النفط المرتفعة وخفضت إيرادات المملكة النفطية:
- ترشيد الاستهلاك و زيادة الكفاءة في الاستخدام
على الرغم من أن ارتفاع الأسعار هي أفضل وسيلة لترشيد الاستهلاك إلا أن الدول المستهلكة للنفط لم تكتف بذلك بل قامت بفرض العديد من القوانين التي نتج عنها ترشيد الاستهلاك وزيادة الكفاءة في الاستخدام. وكان أشهر هذه القوانين تلك التي فرضتها إدارة الرئيس الأمريكي نيكسون يوم 25 نوفمبر من عام 1973. وتضمنت هذه القوانين تحديد السرعة القصوى على الطرق السريعة للتخفيف من صرف وقود السيارات, و منع بيع البنزين أيام الأحد, و تخفيف الإضاءة في الشوارع والساحات العامة والتي تضمنت إطفاء شجرة عيد الميلاد في البيت الأبيض, و تخفيض عدد رحلات الطائرات عن طريق تخفيض كمية وقود الطائرات المتاحة ب 10 % ثم رفعت هذه النسبة على 25%. ونتج عن ذلك انخفاض استهلاك النفط في الدول الصناعية بحوالي 5 ملايين برميل بين عامي 1973 و 1983 رغم التوقعات المسبقة بزيادته بمقدار 7% سنوياً. و تتضح زيادة الكفاءة في الاستخدام من بيانات نسبة الطاقة في الناتج القومي الإجمالي. ففي الولايات المتحدة انخفضت هذه النسبة من 27 ألف وحدة حرارية لكل دولار في الناتج القومي الحقيقي في عام 1973 إلى 23.8 ألف وحدة حرارية في عام 1980, و إلى 20.4 وحدة حرارية في عام 1985, ثم إلى 19.6 في عام 1990.
- إحلال المصادر البديلة مكان النفط
نتج عن ارتفاع أسعار النفط في السبعينات إحلال مصادر الطاقة البديلة, خاصة الفحم والطاقة النووية, محل النفط. فقد انخفض نصيب النفط من إجمالي استهلاك الطاقة خلال عشرة سنوات بين عامي 1973 و 1983 بمقدار 23% في النرويج, و 15% في اليابان, و 17% في فرنسا, و15% في سويسرا, و 12% في ألمانيا الغربية, 12% في كندا, و 14% في هولندا. و نتج عن ذلك, بالإضافة إلى انخفاض الاستهلاك, خسارة الخليجية لحصتها السوقية في الثمانينات حيث انخفض إنتاجها من 10 ملايين برميل يومياً إلى حوالي مليونين برميل يومياً فقط خلال خمسة سنوات. فقد قامت العديد من الدول ببناء العديد من المفاعلات النووية لإنتاج الكهرباء خاصة في فرنسا والولايات المتحدة و اليابان. كما زاد إنتاج الفحم على حساب النفط في العالم بمقدار 50% تقريباً بين عامي 1973 و 1989.
- زيادة إنتاج النفط خارج الخليجية
نتج عن ارتفاع أسعار النفط في السبعينات زيادة كبيرة في إنتاج النفط خارج الخليجية مما أسهم في تخفيض الحصة السوقية للملكة في الثمانينات. وجاءت أغلب هذه الزيادة من منطقتي بحر الشمال و الآسكا التين لم يكن إنتاج النفط فيهما ممكناً اقتصادياً لولاً ارتفاع أسعار النفط في عام 1973. فقد أضاف بحر الشمال 3.1 مليون برميل يومياً إلى أسواق النفط العالمية منذ عام 1974 كما أضافت الآسكا مليوني برميل يومياً. وفي الوقت الذي خسرت فيه الخليجية حوالي 70% من حصتها السوقية قامت دول من خارج أوبك بإضافة 12 مليون برميل يومياً إلى أسواق النفط العالمية.
أثر الأسعار المنخفضة
مرت أسواق النفط العالمية بفترتين تميزتا بانخفاض أسعار النفط هما الفترة ما بين 1985 و 1987 و 1998 و 1999. و تدل أحوال المملكة في كلتا الفترتين أن السعر الأمثل للنفط الخليجي لا يمكن أن يكون ضمن هذه الأسعار. فقد نتج عن انخفاض الأسعار انخفاض إيرادات المملكة, وانخفاض الإنفاق على التعليم والخدمات الصحية, و تأخير أو إيقاف أو إلغاء جزء من مشاريع البنية التحتية, وظهور عجز كبير في الميزانية, وزيادة الدين العام, وانخفاض معدلات النمو الاقتصادي, وارتفاع معدلات البطالة, وزيادة القلاقل السياسية داخل وخارج المملكة. كما نتج عن انخفاض الأسعار انخفاض الطاقة الإنتاجية للنفط في المملكة وانخفاض مستوى الطاقة الإنتاجية الإضافية التي تميز المملكة عن غيرها وتعطيها دورها الريادي في العالم.
من جهة أخرى أدى انخفاض أسعار النفط إلى وأد مصادر الطاقة البديلة وانخفاض الاستثمار في المناطق النفطية المرتفعة التكاليف. وانخفضت الطاقة الإنتاجية في عدد من الدول النفطية, مما ركز الطاقة الإنتاجية الإضافية في الخليجية. ولكن هذا التركيز يجعل أمنها واستقرارها عرضة للخطر. كما يؤدي إلى سوء العلاقات السياسية بين المملكة والدول النفطية الأخرى. كما أدى انخفاض الأسعار إلى الإسراف في استهلاك الطاقة وانخفاض معدلات التحسن في الكفاءة في الاستخدام.
الخلاصة
إن الملخص السابق لأثار الأسعار المرتفعة و المنخفضة للنفط يوضح أنه ليس من صالح المملكة أن ترفع أسعار النفط إلى فوق مستويات معينة, كما أنه ليس من صالحها أن تخفضه تحت مستويات معينة. إن هذه النتيجة تعارض نتيجة الدراسة التي صدرت مؤخراً والتي تطالب المملكة بزيادة إنتاجها بغض النظر عن حصص أوبك. إن الذين يطالبون بانسحاب المملكة من أوبك أو بعدم الانصياع للحصص الإنتاجية كمن يطالب الولايات المتحدة بالانسحاب من ناتو, لا يجهلون أمور السياسة فقط, بل حتى الأمور الاقتصادية والاستراتيجية المتعلقة بهذا الأمر. وتعارض نتائج الملخص السابق ما ذهب إليه البعض من ضرورة الحفاظ على أسعار النفط المرتفعة.
و يوضح الملخص أعلاه أن السعر الأمثل لنفط المملكة يقع في مستوى بين الأسعار المرتفعة والمنخفضة, ولكن تحديده وفقاُ للتعريف المذكور سابقاُ للسعر الأمثل صعب للغاية ويتطلب المزيد من البحث والدراسات. ويبدو أن هذه الصعوبة هي التي أجبرت أوبك على اختيار نطاق سعري بين 22 و 28 دولار للبرميل (في التسعينيات). إن تحديد السعر الأمثل لنفط المملكة يتطلب دعم الحكومة وشركة أرامكو الخليجية للباحثين والمتخصصين في هذا المجال. لقد أثبتت التجارب أن البحوث والنماذج الرياضية الغربية لم ينتج عنها حل يعبر عن واقع المملكة. إن الحل يكمن في تأسيس فكر عربي نفطي يمكن الباحثين من بناء نماذج رياضية ونظريات اقتصادية نفطية ترتكز على هذا الفكر.
ماهي افكار البحوث التي تستحق النظر والاستثمار؟