“فولت” والسيارات الكهربائية .. إنها ليست خضراء
أنت تكون رياديا، أن تكون قبل الآخرين بسنوات!
نشر هذا المقال في جريدة “الاقتصادية” في 8 سبتمبر 2009
تعليقات على سيارة «فولت»
أولا، كان مقال الأسبوع الماضي عن سيارة ”فولت” الكهربائية مرتبطاً بمقال الأسبوع الذي قبله الذي كان بعنوان (أوبك وتوقعاتها: ”على نفسها جنت براقش”)، والذي كانت خلاصته ”إذا نجحت ”فولت” أو غيرها فإن السبب الرئيس هو العقول التي وراءها والجامعات والمدارس التي بنت تلك العقول. وبما أنه ”لا يفل الحديد إلا الحديد” فإنه يمكن القول إنه ”لا يفل العقول إلا العقول”. إن مشكلة دول الخليج الرئيسة ليست نضوب النفط أو انخفاض أسعاره، وإنما، مع الأسف، موارده البشرية التي تدهورت بسبب التدخل الحكومي الكبير خلال العقود الثلاثة الماضية.. سبب هذا التوضيح أن بعض التعليقات على مقال الأسبوع الماضي جاءت من قراء جدد لهم اهتمام بالسيارات ولم يقرأوا المقالات الماضية.
ثانيا، استنتج البعض أن نقد السيارات الكهربائية وانتقاد بعض القوانين البيئية يعني أن الكاتب ضد حماية البيئة، وهو استنتاج باطل منطقياً وعلمياً. فقولي إن ”ماء البحر مالح” لا يعني أنني أكره البحر، ولا يعني أنني ضد السباحة فيه، ولا يعني بأنني أذم الماء.
ثالثاً، لا بد من إدراك واقع مرير وهو أن فشل سياسات الطاقة في الدول المستهلكة في تحقيق أهدافها في إيجاد بدائل للنفط يعني أزمة طاقة عالمية سينتج عنها ارتفاع كبير في أسعار النفط. هذا الارتفاع الكبير سيدفع ثمنه في النهاية شعوب الدول النفطية بطرق مختلفة سياسيا واقتصاديا. ويكفي هنا أن نذكر أنه بعد المقاطعة النفطية في عام 1973 ثم رفع ”أوبك” لأسعار النفط، والذي نتج عنه ارتفاع أسعار النفط بمقدار أربعة أضعاف، قامت الحكومة الأمريكية بإعداد خيارات متعددة كان منها احتلال منابع النفط في الخليج. لهذا فإن رؤية البعض بأن مقال الأسبوع الماضي كان ”مجرد نقد” لسياسات الدول المستهلكة ليست دقيقة لأن الهدف من المقال أن يكون جرس إنذار للجميع. باختصار، فشل سياسات الطاقة في الدول المستهلكة يهم سكان الدول المنتجة للنفط أكثر من سكان الدول المستهلكة. وفشل السيارة الكهربائية له بعض الانعكاسات السلبية على دول الخليج.
السيارات «الخضراء».. ليست خضراء
ذكر بعض القراء أنه يجب التحول إلى السيارات الكهربائية مثل ”فولت” و”برياس” لحماية البيئة لأن انبعاث غازات الاحتباس الحراري من هذه السيارات أقل مما ينبعث من السيارات الأخرى بشكل كبير. ولكن غاب عن هؤلاء أن الأثر السلبي للسيارات الكهربائية على البيئة لا يقل خطرا عن انبعاثات عوادم السيارات التي تسير على البنزين أو الديزل، وذلك للأسباب التالية:
1- إنتاج الكهرباء: سيارات الكهرباء لن تسهم في تحسين الظروف البيئية إلا إذا قامت بتوليد الكهرباء ذاتيا وبشكل كامل بعملية ميكانيكية، وهذا لا ينطبق على أي سيارة موجودة في السوق حاليا، أو ستوجد خلال السنوات القادمة. بالإضافة إلى ذلك فإن كل السيارات التي تحتاج إلى شحن كهربائي تسهم في نظافة البيئة في مكان السيارة فقط، ولكن ليس في البلد ككل. مثلا، إذا قررت مدينة لوس أنجلوس أن تكون كل السيارات داخل المدينة سيارات كهربائية يتم شحنها في البيوت والمصانع وغيرها، فإن الهواء في المدينة سيصبح أنظف بالتأكيد، ولكن ماذا سيحصل في المنطقة التي تقع فيها محطة الكهرباء التي تولّد الكهرباء من حرق الفحم، أكبر ملوث للبيئة، وأكبر مصدر للكهرباء في أغلب الدول الصناعية؟ هذا يعني أنه من وجهة نظر البلد ككل، أو من وجهة عالمية، لم تسهم السيارات الكهربائية في تخفيف انبعاثات الاحتباس الحراري، وبالتالي لم تسهم في تحسين البيئة.
2- المعادن المستخدمة: تتطلب السيارات الكهربائية معادن نادرة جداً (مثل النيودايميوم والتربيوم واللانثانيوم، بالاضافة إلى الكوبالت والليثيوم والنيكل) يتطلب استخراجها إزالة أعداد هائلة من الأشجار، وجرف آلاف الهكتارات من سطح الأرض. كما تتطلب عمليات النقل فتح طرق جديدة في هذه الغابات والمناطق البكر، كما تتطلب شحنا بحرياً له آثاره البيئية أيضاً. وهنا أذكر القراء بأن الآثار البيئية لعملية استخراج المعادن أسوأ بكثير من الآثار البيئية لعملية استخراج النفط.
3- التخلص من البطاريات: يعتقد الخبراء أن من أخطر العوامل المهددة للبشرية اليوم نفايات البطاريات (سواء الصغيرة أو بطاريات السيارات) في شتى أنحاء العالم، لأنها تحتوي على مواد ومعادن سامة بتركيز شديد، وهو الأمر الذي حدا ببعض الدول المتقدمة إلى وضع صناديق خاصة للتخلص من البطاريات لشدة خطرها، حيث يتم التعامل معها بنفس طريقة التعامل مع بعض النفايات الطبية الخطرة. ومع انتشار السيارات الكهربائية، فإنه يتوقع أن تتفاقم الأزمة، كما يتوقع أن تقوم الدول بإصدار قوانين جديدة للتعامل مع هذه البطاريات، الأمر الذي سيزيد من تكاليف هذه السيارات.
4- فارق السعر: كما ذكر في المقال السابق، فإن هناك فارقا في السعر يتجاوز 17 ألف دولار بين سيارة فولت الكهربائية وسيارة كورولا المماثلة التي تسير على البنزين. عند الحديث عن الأثر البيئي، لا بد من حساب الأثر البيئي الكلي، والذي يتضمن كيفية تحصيل دخل إضافي قدره 17 ألف دولار. فالكل يعرف أن هناك علاقة طردية بين النمو الاقتصادي (ارتفاع الدخول) والتلوث، ويجب حساب هذا التلوث عن ذكر المنافع البيئية لسيارتي ”فولت” و”برياس”. أضف إلى ذلك أن الإعانات الحكومية الأمريكية التي تهدف إلى تشجيع الأمريكيين على شراء هذه السيارات هي أموال مقترضة من الصين، والتي تم تحقيقها من أرباح المصانع الصينية، المشهورة بتلويثها للبيئة.
5- الأمن القومي: نظرا لأن المعادن النادرة اللازمة للسيارات الكهربائية لا توجد إلا في دول معينة وعددها قليل جدا، فإن الدول الصناعية المستوردة ستحاول اتخاذ إجراءات دفاعية شبيهة بما يسمى ”أمن الطاقة”، وستتخذ إجراءات عسكرية معينة لتأمين هذه المواد، تماما كما تفعل مع النفط، خاصة أن بعض هذه المعادن نادر جدا ويتوقع أن حدوث عجز في إمداداتها خلال السنوات المقبلة. هذه الإجراءات، كما يعرف الجميع، ليست صديقة للبيئة. وبما أن الشيء بالشيء يذكر فإن سيارات خلايا الوقود التي تعتمد على الهيدروجين كوقود تحتاج إلى معدنين هما البلاتينيوم والبولديوم، ولا يوجد إلا دولتان تقومان بتصديرهما لبقية العالم هما روسيا وجنوب إفريقيا. هل تظنون أن الولايات المتحدة ستكون رهينة للإمدادات الروسية؟
خلاصة الأمر، السيارة الكهربائية التي توفر المال واستهلاك الطاقة وصديقة للبيئة في الوقت نفسه مازالت فكرة وغير موجودة حتى بشكلها التجريبي.
الرابط الأصلي للمقال:
Comment