على هامش اجتماع أوبك في فيينا: أسباب قرار زيادة إنتاج النفط
أنس بن فيصل الحجي
22 يونيو 2018
هناك أسباب اقتصادية واستراتيجية عدة وراء قرار السعودية وحلفائها من منتجي أوبك وخارج أوبك زيادة إنتاج النفط خلال الشهور القادمة. وقبل الخوض في هذه الأسباب لابد من التأكيد على أن:
- زيادة الإنتاج لا تعني انتهاء التعاون بين دول أوبك ال14 والدول العشر من خارج أوبك الذي كان محوره تخفيض الإنتاج، خاصة بعد تأكيد روسيا استمرار التعاون مع السعودية وأوبك، وبدون تحديد نهاية زمنية لهذا التعاون. كما أن الخلاف الحالي حول زيادة الإنتاج من عدمه ليس جديدا وماهو إلا تكرار للماضي حيث تعارض الدول التي لاتستطيع زيادة الانتاج قيام الدول الأخرى التي تستطيع زيادة الإنتاج بزيادته.
- كما أن بعض الدول، ولأسباب سياسية بحتة، ستقوم بمعارضة الدول الأخرى بغض النظر عن العوامل الاقتصادية، وأكبر دليل على هذا قيام إيران بمعارضة السعودية عندما كانت ترغب في تخفيض الإنتاج ورفع أسعار النفط، ثم معارضتها الآن زيادة الإنتاج بحجة رغبة إيران في أسعار نفط مرتفعة. بعبارة أخرى، حتى إذا كانت زيادة الإنتاج من بعض الدول لاعتبارات اقتصادية، فإن رفضه من دول أخرى قد يكون لاعتبارات سياسية.
- وأن زيادة الإنتاج لاتعني بالضرورة انخفاض أسعار النفط خلال فصل الصيف، وإنما تعني بالضرورة عدم ارتفاع أسعار النفط بشكل كبير. ولهذا فإنه من الممكن ارتفاع الإنتاج والأسعار معا، وهذا هو الأرجح حاليا.
الأسباب الاقتصادية
تتأثر أسواق النفط بكثير من العوامل الاقتصادية والسياسية والطبيعية والفنية والتكنولوجية والقانونية، الأمر الذي يعني أن هناك تطورات ومستجدات بشكل دائم، وهذا يتطلب مرونة كبيرة من كبار منتجي أوبك والتي تتطلب بدورها تخفيض أو زيادة الإنتاج. هذه المرونة مهمة لمستقبل كبار الدول النفطية لأنها تهدف إلى استمرار الحصول على عوائد مقبولة لصادراتها النفطية، واستمرار الاستثمار في الصناعة، وضمان وجود أسواق للنفط على المدى الطوبل، والذي يعني استمرار نمو الطلب العالمي على النفط. وفيما يلي أهم الأسباب الاقتصادية التي أسهمت في قرار الدول القيادية في دول أوبك بزيادة الإنتاج:
- تسارع انخفاض إنتاج النفط في فنزويلا بشكل تجاوز التوقعات، وزيادة احتمال حدوث انهيار كامل في إنتاج النفط الفنزويلي، الأمر الذي يحتم تبني مبادرة لمنع أسعار النفط من صعود مفاجئ وكبير يضر بنمو الاقتصاد العالمي وبمصالح الدول المنتجدة للنفط.
- ارتفاع الدولار الأمريكي، والذي لم يكن متوقعا عند الاتفاق على تخفيض الإنتاج في نهاية 2016. بما أن النفط يسعر ويباع بالدولار، فإن تغير أسعار الدولار يؤثر في الطلب على النفط. لهذا نتج عن ارتفاع الدولار في الشهور الأخيرة ارتفاع أسعار النفط في العملات المحلية في كثير من الدول الأوروبية والآسيوية واللاتينية. هذا الارتفاع يهدد نمو الطلب على النفط في هذه الدول، وهذا ليس من صالح السعودية أو أي دولة أخرى منتجة للنفط لأنه يؤدي في النهاية إلى انخفاض أسعار النفط.
- الزيادة في الطلب على النفط في النصف الثاني من العام، خاصة في فصل الصيف، وذلك في الدول المستهلكة والمنتجة معا. ونظرا لانخفاض المخزون الكبير منذ مارس (أذار) 2017، فإن هناك حاجة لزيادة الإنتاج لتفادي أي عجز في الإمدادات وصعود مفاجيء للأسعار. وهنا لابد من التأكيد على أن التغير الكبير والمفاجيء في الأسعار ليس من صالح أحد، ويؤدي إلى هزة كبير في اقتصاديات الدول المنتجة والمستهلكة. كما أن الشركات بشكل عام قد تتحمل أسعار نفط مرتفعة نسبيا، ولكنها قد لاتتحمل ذبذبة كبيرة في أسعار النفط.
- توقع انخفاض صادرات النفط الإيرانية في الربع الرابع من العام الحالي ومابعده، بعد انتهاء فترة الانتظار التي وضعتها حكومة ترامب، الأمر الذي يتطلب زيادة الإنتاج من الدول الأخرى لمنع صعود مفاجيء وكبير في أسعار النفط.
الأسباب الاستراتيجية والسياسية
كما ذكرت في السابق، النفط والسياسية توأمان، ويمكن فصل الماء عن النفط، ولكن لايمكن فصل السياسة عن النفط. وعند الحديث عن النفط والسياسة فإن المقصود هو الأحداث السياسية التي تؤثر في أسواق النفط مثل الحروب أو الهجمات من بعض الفئات على المنشآت النفطية لتحقيق أهداف سياسية كما كان يحدث في كولومبيا والعراق والسودان ويحدث حاليا في ليبيا ونيجيريا. والمقصود أيضا الضغوط السياسية التي تؤثر في أسواق النفط، مثل تغريدة الرئيس الأمريكي ترامب والتي تعكس تخوفه من ارتفاع أسعار البنزين قبل الانتخابات الأمريكية التي ستعقد بعد أربعة شهور من الآن، أو من لوم الدميقراطيون له على ارتفاع أسعار البنزين بسبب سياسته الخارجية المتعلق بدول نفطية مثل إيران وفنزويلا، أو التعبير عن عدم الارتياح علنا كما هي الحال مع المسؤولين الهنود حيث ارتفعت أسعار المنتجات النفطية في الهند إلى أعلى مستوى لها تاريخيا في الأسابيع الأخيرة بسبب سياسات الحكومة الحالية التي رفعت الضرائب عدة مرات وبشكل كبير على المنتجات النفطية خلال السنوات الأربعة الماضية، كما أنخفضت قيمة الروبية الهندية مقابل الدولار في الوقت الذي ارتفعت فيه أسعار النفط.
ومن ناحية أخرى فإن ارتفاع أسعار النفط يعطي الأطراف المعادية للنفط، سواء من حماة البيئة أو الفئات المعادية للعرب، سببا للهجوم على النفط والدول النفطية، ومطالبتها لحكوماتها باتخاذ اجراءت صارمة للحد من الاعتماد على النفط والدول النفطية. منع هذه الفئات من استغلال ارتفاع أسعار النفط يعد هدفا استراتيجيا للدول النفطية.
وبغض النظر عن العوامل الاستراتيجية والسياسية كما ذكر أعلاه، فإنه يمكن ببساطة أن تترجم العوامل الاقتصادية إلى ضغط سياسي على الدول المنتجة، وهذا أمر لاترغبه الدول النفطية أيضا. وهنا لابد من التذكير بأن ممارسة الضغوط السياسية لأسباب اقتصادية أو سياسية أو غيرها أمر شائع عالميا وتمارسه الدول النفطية أيضا. المقصود هنا أنه لايمكن القول بأنه يجب تجاهل الضغط السياسي على الدول النفطية لأن الدول النفطية هي أيضا تمارس ضغوطا لتحقيق مصالحها السياسية والاقتصادية والتجارية والمالية وغيرها، وأحيانا تقوم بذلك كونها دول نفطية.
وقد يتساءل البعض عن نسبة أثر كلا من العوامل الاقتصادية والسياسية في قرار زيادة الإنتاج، مثلا، هل أغلبه سياسي أن اقتصادي؟ من الصعب الإجابة عن هذا السؤال بسبب تداخل العوامل الاقتصادية والسياسية، ولكني أعتقد شخصيا أن كل العوامل السياسية في النهاية، اقتصادية! ولكن لابد من التأكيد على أن زيادة الإنتاج في فصل الصيف كانت متوقعة مسبقا، حتى قبل التطورات الاقتصادية والسياسية في السابيع الأخيرة. وقد يكون الفرق الآن هو أن هناك تأكيدا على ضرورة زيادة الإنتاج مقارنة بما بالماضي.
الخلاصة
لم أجد خلاصة أفضل مما قاله معالي المهندس خالد الفالح، وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية السعودي في منتدى أوبك السابع يوم أمس (الخميس 20 يونيو) وترجمتها (بتصرف):
أهم شيئ هم المستهلكون. والمستهلكون طلبوا زيادة المعروض في النصف الثاني (من العام الحالي). وثقوا تماما بأننا سنتجيب لهم، وسنزيد الامدادات لتفادي أي عجز”
Comment