سلاح النفط الإيراني: انتحار ينتظره الأمريكيون!
-
استخدام إيران لسلاح النفط سينعكس على الحكومة الإيرانية و سيسهم في زعزعة النظام الحالي، خاصة ان اعتماد إيران على صادرات النفط أكبر من اعتماد أي دولة غربية على واردات النفط من إيران.
-
المخزون الاستراتيجي الأمريكي يساوي الصادرات الإيرانية لمدة تسعة شهور، ولكن هل تستطيع إيران البقاء أسبوعاً واحداً بدون صادرات نفطية؟
أنس بن فيصل الحجي
سأل بعض الأخوة عن احتمال قيام الحكومة بوقف صادرات النفط الإيراني تماماً أو تخفيضها رداً على العقوبات التي فرضتها حكومة ترامب، والتي أتت مع قدرة الحكومة الأمريكية في التأثير في قرارات الدول التي تستورد النفط الإيراني. كما أن هذا الاحتمال يزيد إذا تأزمت الأمور في المستقبل وقامت الحكومة الأمريكية أو غيرها بهجمة صاروخية أو جوية على منشآت إيران النووية. ويستدل الذين سألوا عن الموضوع بأن هناك تصريحات عديدة من مسؤوليين إيرانيين، بما في ذلك الرئيس السابق أحمدي نجاد، فيها تهديد بوقف الامدادات الإيرانية أو وقف الملاحة في مضيق هرمز. الواقع يشير إلى أنه ليس من صالح الحكومة الإيرانية، تحت أي ظروف، استخدام سلاح النفط، وليس هناك أي دليل على أنها ستتسخدمه، وأن أغلب التصريحات الرنانة للاستهلاك المحلي. إن استخدام سلاح النفط سيكبد إيران خسائر فادحة و سيسبب لها مشاكل متعددة ذكرت في مقال قديم وقمت بترميمه وتجديده هنا:
- احتمال انهيار الحكومة بسبب توقف أو انخفاض إيرادات النفط:
إيران هي البلد الوحيد ضمن أكبر الدول المنتجة للنفط (فنزويلا لم تعد من الكبار) التي تعاني من عجز شديد كبير في الموازنة، وارتفاع كبير في معدلات البطالة والتضخم، وانخفاض شديد في قيمة عملتها. ففي النصف الأول من السنة المالية الحالية جاء العجز في الموازنة ضعف المتوقع، رغم محاولات تخفيض الانفاق. أما البطالة فقد وصلت إلى 13% حسب الاحصاءات الرسمية ولكن الواقع يشير إلا أنها أكبر من ذلك بكثير. وبلغ التضخم 400% في هذا العام ثم انخفض أخيرا إلى 275%، بينما هبطت قيمة الريال الإيراني مقابل الدولار أكثر من 70% منذ بداية العام الحالي. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن ينخفض النمو الاقتصادي في العام الحالي بمقدار 1,5% في العام الحالي و 3,6% في العام القادم. لهذا فإن المظاهرات التي اجتاحت المدن الإيرانية ما هي إلا ردة فعل على الوضع الاقتصادي المتردّي، خاصة أن جزءا كبيرا من السعب الإيراني مازال يعتمد على العانات الجكومية بطريقة أو بأخرى. في ظل هذه الظروف، مالذي سيحدث لو توقفت صادرات النفط التي تمول جزءا كبيرا الإنفاق الحكومي؟ لذلك فإنه ليس من صالح الحكومة الإيرانية وقف صادرات النفط حتى لساعة واحدة.
- انخفاض إنتاج النفط الإيراني بسبب انسحاب رأس المال الأجنبي:
إذا قامت إيران بتخفيض صادراتها النفطية فإن إنتاجها المستقبلي سينخفض بسبب تخفيض شركات النفط العالمية العاملة في إيران لاستثماراتها من جهة، و عزوف الشركات الأخرى عن الاستثمار في المشاريع الإيرانية الجديدة. فكيف يمكن للشركات الأجنبية العاملة في إيران أن تسترجع رأسمالها أو تحقق أرباحاً إذا منعت من الإنتاج و التصدير؟ الواقع الإيراني صعب للغاية: الحكومة موجودة بسبب الدعم الشعبي، الشعب يعتمد على الإعانات الحكومية، الإعانات الحكومية تمولها عوائد صادرات النفط، استمرار العوائد يتطلب استمرار إنتاج النفط، لكن معدلات النضوب في الحقول الإيرانية عالية، الأمر اللذي يخفض الإنتاج باستمرار. لذلك فإن إيران بحاجة ماسة للاستثمار الأجنبي، ليس لزيادة الطاقة الإنتاجية فحسب، و إنما لمنع الإنتاج الإيراني من الانخفاض. إن هذه المشكلة هي التي دفعت الحكومة الإيرانية إلى توقيع عقود نفطية بمليارات الدولارات مع عدة شركات عالمية.
تحتاج إيران بحاجة إلى استثمار 1,5 دولار سنوياً لمنع إنتاج إيران من الانخفاض، و أكثر من ملياري دولار سنوياً لزيادة طاقتها الإنتاجية. إن الاستثمار الأجنبي في إيران هو أحد الأسباب الرئيسة لاستقرار الحكم في إيران. من هذا المنطلق قررت الحكومة الإيرانية في خطتها الخمسية استثمار 70 مليار دولار في القطاع النفطي على أن يغطي الاستثمار الأجنبي 60 في المائة منها. كيف يمكن لإيران أن تجذب هذه الأموال الهائلة إذا قررت تخفيض الإنتاج أو وقفه؟ إذا قامت إيران بتخفيض الإنتاج، من هي الشركات الأكثر تضرراً في هذه الحالة؟ هل ترغب إيران فعلاً في إيذاء الشركات الصينية و الروسية، و الصين و روسيا عضوتان في مجلس الأمن؟
- خسارة زبائنها المخلصين:
تعلمت إيران درساً قاسياً في الخمسينيات بعد تأميم محمد مصدق لصناعة النفط في إيران و طرد البريطانيين منها. فقد تم التأميم بدون تجهيز كادر إيراني ليحل محل العمال البريطانيين، و بدون تملك إيران لناقلات النفط اللازمة لنقل النفط الإيراني إلى الأسواق. نتج عن ذلك وقف صادرات النفط الإيرانية تماماً و خسارة إيران لزبائنها. و لما عاودت إيران التصدير، وجدت أن زبائنها قد وقعوا عقوداً طويلة الأجل مع دول أخرى. حاولت حكومات الثورة الإسلامية المتعاقبة خلال 39 سنة الماضية إقناع الدول الأوروبية و الآسيوية بأنها شريك نفطي آمن و مستقر يمكنهم الاعتماد عليه، فهل ستقوم الحكومة الحالية بالتضحية بكل هذه الجهود و بمستقبل النفط الإيراني عن طريق استخدام النفط كسلاح؟
- تحسن وضع الدول العربية المجاورة على حسابها:
رغم تحسن العلاقات الدبلوماسية بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي في السنوات الأخيرة، إلا أن الواقع يشير إلى أن آخر ما ترغبه إيران هو تحسن الأوضاع الاقتصادية و السياسية و العسكرية في هذه الدول على حسابها. فإذا قامت إيران بتخفيض الإنتاج أو وقفه فإن دول الخليج ستستفيد بشكل كبير من ارتفاع الأسعار و زيادة الإنتاج. في نفس الوقت ستظهر هذه الدول بأنه يمكن الاعتماد عليها وقت الأزمات كمصدر هام للنفط. بالإضافة إلى ذلك فإن الزيادة الكبيرة في إيرادات هذه الدول من جراء تخفيض إيران لصادراتها ستمكن هذه الدول من شراء اسلحة متقدمة، الأمر الذي يتنافى مع المصالح الإيرانية.
- خسارة دعم الدول النامية:
تحظى إيران، بشكل مباشر أو غير مباشر، بدعم الدول النامية بشأن برنامحها النووي، خاصة أنها تظهر بمظهر الضحية، مثلها مثل بقية الدول النامية. فإذا قامت إيران بتخفيض صادرات النفط فإن هذا سيرفع أسعار النفط بشكل يؤثر سلبياً على اقتصادات هذه الدول، الأمر الذي سيجعل هذه الدول تقف ضد إيران، خاصة أن إيران ليس لديها الموارد المالية لتعويض هذه الدول عن خسائرها من جراء ارتفاع أسعار النفط. إذا أضفنا إلى ذلك أثر الإعلام الأمريكي و المعونات الأمريكية لبعض هذه الدول فإننا سنجد أن إيران ستظهر بمظهر العدو بسبب استخدام سلاح النفط، مع أنها كانت تحظى بعطف هذه الدول قبل استخدامه.
- انهيار مشروع أنبوب الغاز إلى الباكستان و الهند:
قامت الحكومة الإيرانية الحالية بتسريع عمليات المفاوضات بينها و بين الهند و الباكستان بشان انبوب الغاز الممتد من إيران إلى هاتين الدولتين لما لهذا المشروع من منافع اقتصادية و سياسية للحكم الحالي. فالمشروع سيضمن سوقاً متنامية للغاز الإيراني، و سيضمن مليارات الدولارات سنوياً للحكومة، و سيعزز من قدرة إيران التفاوضية، سواء في المجالات السياسية أو الاقتصادية. حاولت الولايات المتحدة الضغط على الهند لوقف المشروع لكن محاولاتها بائت بالفشل بسبب حاجة الهند الماسة للغاز. أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش خلال زيارته الأخيرة للهند، و بشكل مفاجئ، أن الولايات المتحدة لن تعارض هذا المشروع. المشكلة الحقيقية التي تواجه المشروع لا تتمثل في المعارضة الأمريكية، و لكن في مدى مصداقية الحكومة الإيرانية في التعامل مع شركائها. إن تخفيض الصادرات النفطية أو وقفها سيجعل كل من الباكستان و الهند تصرفان النظر عن المشروع، كما أن انخفاض الإيرادات النفطية لن يمكن الحكومة الإيرانية من تمويل الجزء الخاص بها من هذا المشروع.
- أثر التخفيض بسيط و لن يغير من مواقف الدول الأخرى:
لن ينتج عن وقف صادرات النفط الإيرانية تغيير موقف الدول المعادية لها. فالدول الأعضاء في وكالة الطاقة الدولية تستطيع استخراج مليوني برميل يومياً من احتياطيها الاستراتيجي و لعدة شهور، كما أن المخزونات التجارية وحدها كافية لتغطية العجز في اسواق النفط العالمية لفترة تتجاوز 3 شهور. و في نفس الفترة ستتمكن دول أوبك من إضافة حوالي مليون برميل يومياً، هذا يعني إضافة أكثر من 3 ملايين برميل يومياً في الوقت الذي يبلغ فيه الانخفاض حوالي 2 مليون برميل يومياً فقط. الولايات المتحدة لن تتأثر مباشرة لأنها لا تستورد أي نفط إيراني. كل ما في الأمر أنها ستعاني من ارتفاع في أسعار النفط. لكن الولايات المتحدة قد تستخدم الاحتياطي الاستراتيجي لتخفيض الأسعار. هذا الاحتياطي يغطي وحده كل الصادرات الإيرانية لمدة تسعة شهور. اعتماد إيران على صادرات النفط أكبر بكثير من اعتماد أي دولة في العالم على واردات النفط الإيرانية، لذلك فإن الدول الأوروبية و الولايات المتحدة تستطيع العيش بدون النفط الإيراني، و لكن هل تستطيع الحكومة الإيرانية البقاء أسبوعاً واحداً بدون صادرات نفطية؟
إن المسوغات السابقة لعدم استخدام النفط كسلاح لا يعني أن إيران لن تستخدمه. فاحتمال استخدامه وارد، خاصة إذا كان القرار عاطفياً أو يهدف إلى تحقيق أهداف قصيرة المدى. في كثير من الأحيان، المنطق آخر ما يفكر به السياسيون. فتخفيض الإمام الخميني للإنتاج الإيراني في فترة ما بعد الثورة لم يكن منطقيا من الناحية السياسية و الاقتصادية، و مع ذلك تم تخفيض الإنتاج. احتلال الولايات المتحدة للعراق لا يدعمه أي منطق، ومع ذلك قامت الولايات المتحدة باحتلال العراق. خلاصة الأمر أن استخدام إيران لسلاح النفط سيرتد عليها، وقد يؤدي إلى سقوط الحكومة في النهاية. لذلك فإن استخدام إيران لسلاح النفط هو عملية انتحارية…سيرحب بها الأمريكيون! النهاية
Comment