حوار مع جريدة الرياض حول النفط والمؤامرة والثقافة النفطية
يعتقد بضرورة رفع مستويات الثقافة النفطية لدى المجتمعات التي تعد دولها من كبار المنتجين في الأسواق العالمية؛ لأهمية تفنيد المعلومات والنظريات الخاطئة التي يتم ترويجها عن طريق الدراسات والتحليلات الغربية، والعمل على تأسيس مرحلة فكرية جديدة بأطر وضوابط محددة.
كما يجزم بأهمية هذه المرحلة؛ للدور الكبير الذي تضطلع به الدول العربية عموما والخليجية خصوصاً في أسواق النفط؛ كونها تعد من كبار المنتجين في هذه الأسواق، وتسخير الأدوات المتاحة إعلامياً وأكاديمياً في معالجة الترسبات التي خلفتها الثقافة الغربية خلال العقود الماضية.
الخبير النفطي كبير الاقتصاديين في شركة NGP الأميركية وأحد رواد الكتابة المتخصصة في الصحافة السعودية الدكتور أنس بن فيصل الحجي في حوارٍ خاص ل «الرياض» يؤطر للكثير من التوجهات الفكرية فيما يخص القطاع النفطي وغير ذلك الكثير.
حوار الطلبة عن النفط
- بدايةً.. وعقب الترحيب بكم، وجدت من خلال متابعتي لمقالاتكم السابقة مطالبتكم المتكررة لإيجاد فكر عربي نفطي ونشر هذه الثقافة، فما اعتقادكم بأهمية ذلك؟ وما أثره؟
- بالفعل كان لدي الكثير من المطالبات في هذا الجانب، ويعود ذلك إلى الجهل الكبير الموجود على المستويات المحلية والعربية والعالمية بأسواق النفط العالمية والسياسات النفطية لدول الخليج، حيث إن نظرة عاجلة إلى المواد الدراسية في دول الخليج – على وجه التحديد – توضح أنه لا يمكن للمواطن الخليجي أو للطالب المبتعث أن يَرُدَّ على أي من الاتهامات الموجهة لدول الخليج في مجال النفط، فقد أثبتت التجربة أن أهم موضوع يواجه الطلبة العرب في الخارج هو موضوع النفط، كما أثبتت أن أي حوار يتم بين الطلبة العرب والغربيين فيما يتعلق بالنفط هو حوار خاسر؛ لضعف خلفية الطلبة في مجال النفط، خاصة فيما يتعلق بسياسات دول الخليج النفطية ودورها العالمي في استقرار أسواق النفط، وبما أن النفط هو المصدر الأساس للدخل في أغلب الدول العربية وخاصة دول الخليج، وأحد مرتكزات سياساتها الخارجية وتعاملها مع الدول الأخرى، فإن هناك ضرورة ملحة لنشر الثقافة النفطية لدى الشعوب العربية بشكل عام، والطلبة المبتعثين بشكل خاص، وتوعيتهم توعية نفطية مبنية على حقائق تنبع من ثوابت هذه الأمة.
الهدف من بناء الثقافة النفطية
- ما الثمرة المرجوّة من بناء ثقافة نفطية لدى طلابنا المبتعثين، لا سيمّا إن كانت هذه الثقافة بعيدة عن تخصصاتهم؟
- هناك ضرورة ملّحة لتوعيتهم في هذا المجال لا سيمّا تلك الدسائس والمعلومات المغلوطة التي تحاول بعض الجامعات الغربية تدريسها على أنها حقائق علمية، حيث نجح أعداء العرب والمسلمين في منهجة وأكدمة العداء، وإدخال هذه الدسائس إلى الكتب الأكاديمية فتوعية الطلبة الخليجيين في مجال النفط تجعلهم سفراء لبلادهم أينما درسوا وأينما كانوا، كما أن تعزيز هذه الثقافة سيسهم في إلغاء نظريات المؤامرة المتعلقة بالنفط، خاصة أنه من السهل فصل النفط عن الماء، ولكن يستحيل فصله عن السياسة، وعادة ما تلجأ الشعوب إلى نظرية المؤامرة عندما لا تتوافر المعلومات اللازمة لتفسير ظاهرة معينة.
دور الجامعات
- ماذا قدّمت الجامعات الخليجية وكذلك الإعلام في هذا المجال؟
- دور الجامعات الخليجية في هذا المجال معدوم تقريبا وأي جهود في هذا المجال هي جهود شخصية لبعض الأساتذة، وقد أسهمت بعض الصحف السعودية في نشر الثقافة النفطية خلال العقدين الماضيين، ولكن حتى هذه الجهود لم تكن مؤطرة ولكن نتيجة جهود أو رؤية شخصية لرؤساء التحرير أو مسؤولي الصحف، وكانت هناك جهود يمكن وصفها أنها خجولة من بعض الهيئات، خاصة أنها ركزت على الشكليات وتفادت بحكم طبيعة عملها الخوض في الأمور الهامة في هذا المجال، لا سيما تلك التي تتعلق بالجوانب السياسية وكما أسلفت فإن هناك ارتباطا وثيقا بين النفط والسياسة، ونظرا لفشل الجامعات في أغلب الأحيان في تخريج دفعات قادرة على التحليل والاستنتاج المنطقي، وفشل الحركات السياسية في إيجاد فكر متناسق وسليم، أصبح من الطبيعي أن يقوم المواطن العربي بقبول تفسير (المؤامرة) للأحداث، خاصة أنه لا يمكن – بأي شكل من الأشكال – إثبات صحة المؤامرة أو خطئها، مما نتج عن هذا التفكير (نظرية المؤامرة) والتي تعد تشويهاً كبيراً لسمعة الدول النفطية وشعوبها، وعلى وجه الخصوص دول الخليج وحكوماتها، وكل الأفراد الذين لهم علاقة برسم السياسة النفطية، ولكن بالنظر إلى واقع العالم العربي نجد أنه لا يمكننا لوم الشعوب العربية على تبنيها هذا الفكر؛ كونها تعيش على النفط، ولكننا نلوم الحكومات العربية التي لم توفر إلا الشيء اليسير من المعلومات، بالإضافة إلى عدم اتخاذها أي خطوات عملية لمجابهة هذا الفكر التآمري، ومن هذا المنطلق نجد أن التوعية النفطية أصبحت ضرورة، ليس لأنها تُحَسِّن من صورة الحكومات والشركات النفطية الوطنية فقط؛ بل لإنقاذ الفكر العربي من الوقوع في مستنقع يعميه ويصمه ويجعله يتحجر كصنم لا حول له ولا قوة بسبب سيطرة نظرية المؤامرة من جهة، والتمسك الأعمى بها من جهة أخرى، لقد أصبحت الثقافة النفطية ضرورة استراتيجية لتعزيز الحوار الوطني والقومي والعالمي.
النفط أهم موضوع يواجه الطلبة العرب في الخارج.. وحواراتهم حوله خاسرة
لا ثقافة نفطية بدون فكر نفطي
- ذكرتم في السابق أنه لا ثقافة نفطية بدون فكر نفطي عربي، فما الفرق – برأيكم – بينهما ؟ وكذلك بين الفكر النفطي العربي والغربي؟
- الثقافة تنتج عن فكر ولا يمكن تحقيق الأهداف المرجوة من نشر الثقافة النفطية بدون وجود فكر تبنى عليه، وحاليا لا يوجد لدينا فكر نفطي عربي، ولكننا نجد أن تصرفات وتصريحات بعض المسؤولين النفطيين تتوافق مع المصالح الوطنية وتتفق مع هذا الفكر، إلا أنه لا توجد نظريات اقتصادية وسياسية واجتماعية تدعم مواقفهم، الأمر الذي يفسر كثرة الانتقادات لهم سواء عبر وسائل الإعلام المحلية أو وسائل التواصل الاجتماعي والمطلوب هو إيجاد هذه النظريات، فالدول العربية وخاصة الخليجية منها بحاجة ماسة إلى تكوين وتطوير «فكر عربي نفطي» هدفه التعامل مع الفكر الغربي وتصحيح مفاهيمه الخاطئة، وتربية الأجيال العربية على مفاهيم عامة تتعلق بالموقف العربي من أمور النفط العالمية، وهنا لابد من التنويه إلى أن كلمة «عربي» لا علاقة لها بالمفهوم السياسي القومي، إنما هو مفهوم جغرافي تحكمه العوامل الجغرافية أكثر من أي شيء آخر، خاصة أن الغرب يربط النفط ب «العرب» أكثر من «المسلمين» كما أود أن أنوه أن أي جهود في مجال «الثقافة النفطية» لن يكون لها أثر إيجابي إذا لم يكن لهذه الثقافة إطار فكري معين، وقبل أن يؤطر الآخرون هذه الثقافة في توجهاتهم الخاصة، علينا أن نضع أساسيات هذا الفكر بما يخدم مصالح الأمة، ونضع «الثقافة النفطية» ضمن حدودها، أما عن الفروقات بين الفكر العربي والغربي في هذا المجال فهي كثيرة ولكن أذكر مثالا واحدا وهو موضوع التكاليف حيث ينظر الفكر الغربي لتكاليف النفط في الخليج على أنها تكاليف نقل النفط من باطن الأرض إلى سطحها، متجاهلا بذلك النفط نفسه كمصدر ناضب.
الغرب استطاع إلغاء نظرية «كلفة الاستعمال» للنفط من كتب الاقتصاد الجزئي واستخدام «التكلفة الحدية» بدلاً منها
فكر نفطي معاد للعرب
- ما قراءتكم للثقافة الغربية في القطاع النفطي العالمي؟
- استطاع الغرب خلال 30 سنة الماضية تكوين وتأصيل وتأطير فكر نفطي معاد للعرب يتمثل في الكم الهائل من المقالات والكتب والمواقف السياسية والسياسات الاقتصادية واستراتيجيات الطاقة، بالإضافة إلى قدرته على خلق تعابير وجمل وكلمات التصقت بهذا الفكر وأصبحت جزءاً منه، فقد استطاع هذا الفكر تأصيل كلمة «كارتل» ولصقها ب «أوبك» ظلماً وعدواناً، كما استطاع إدخال تعبير «أمن الطاقة» كتعبير سياسي شائع رغم أنه لم يستطع أحد حتى الآن توضيح معناه على وجه التحديد، إلا أن أحد إسقاطاته «تخفيف الاعتماد على النفط العربي»، كما استطاع هذا الفكر ربط كلمة «عرب» ب «النفط»، وربط كلمة «عرب» ب «عدم الاستقرار»، كما استطاع أيضاً ربط كلمة «عرب» ب «الاستغلال» بعد أن أقنع مئات الملايين من البشر بأن تكاليف إنتاج النفط في الدول العربية منخفضة جداً ولا تتجاوز بضع سنتات أميركية، ومع ذلك يقوم العرب ببيع النفط بعشرات الدولارات للبرميل، واستطاع الغرب منهجة أو بالأحرى «أكدمة» هذه الفكرة عن طريق إلغاء نظرية « كلفة الاستعمال «من كتب الاقتصاد الجزئي واستخدام» التكلفة الحدية « بدلاً منها، واستطاع هذا الفكر أخيراً ربط كلمة «النفط» ب «الإرهاب»، بعد أن نجح على فترة طويلة من الزمن بربط كلمة «عرب» ب « الإرهاب «.
الثقافة النفطية ضرورة استراتيجية لتعزيز الحوار الوطني والعالمي
ربط الكوارث بالنفط
- هذه الثقافة الأكاديمية.. إلى أين وصلت؟
- نجحت هذه الثقافة في «منهجة» أو «أكدمة» الكثير من الآراء المعادية للعرب حتى اكتسبت الصفة الأكاديمية والعلمية، رغم أنها كتابات تفتقر إلى أصول البحث العلمي، لذلك فإن عملية تكوين فكر عربي نفطي ستكون صعبة النشأة، خاصة انه من الصعب تكوين هذا الفكر بشكل مستقل بحيث لا يكون كردة فعل للفكر الغربي، ولكن لابد من تكوين هذا الفكر مهما كانت الصعوبات لأنه لا يمكن على الإطلاق إجراء حوار بين المثقفين العرب والمثقفين الغربيين دون التعرض لموضوع النفط، فالعرب يملكون أغلب احتياطيات النفط في العالم، ووفقاً للغرب فإن أموال النفط هي التي تفرخ الإرهاب، وهي التي تمول المساجد في أماكن مختلفة من العالم، كما يعتقد الغربيون أن العرب سببوا كارثة اقتصادية للعالم الغربي في السبعينيات بسبب المقاطعة النفطية العربية للولايات المتحدة وهولندا، وهذا كله غير صحيح، كما نجح الجمهوريون بالولايات المتحدة في إنشاء فكر جديد قوامه إلغاء الاعتماد على النفط بالكامل، وذلك عن طريق تخويف الشعب الأميركي من الهجمات الإرهابية، ثم الربط بين الإرهاب والنفط، في الوقت نفسه نجح الديمقراطيون في تخويف ملايين الأميركيين من كارثة بيئية قادمة بسبب الاحتباس الحراري ثم قاموا بربط هذه الكارثة بالنفط، الأمر الذي يتطلب إلغاء الاعتماد على النفط، حيث تم هذا التخويف عن طريق إنشاء فكر جديد سخرت له الصحف والكتب والأفلام السينمائية، كما ظهر فكرا ثالثا جديدا أكثر تطرفاً يطالب بإلغاء الاعتماد على النفط العربي؛ كون ذلك يخفض أسعار النفط، وبالتالي يسهم في تحقيق «الديمقراطية» بالعالم العربي.
الفكر المعاد نجح في تأصيل كلمة «كارتل» ولصقها ب «أوبك» ظلماً وعدواناً
نجح في تأصيل كلمة «كارتل» ولصقها ب «أوبك» ظلماً وعدواناً
قنوات تسويق الثقافة
- ما هي القنوات التي تم من خلالها التسويق لهذا الثقافة؟
- تكوين الفكر المعادي للعرب من خلال النفط لم يقتصر على وسائل الإعلام ودور النشر، وإنما صاحبه استراتيجيات وسياسات اقتصادية استلزمت إنفاق مليارات الدولارات لمحاربة الدول النفطية عن طريق تطوير مصادر الطاقة البديلة خاصة الوقود الحيوي، فقد قامت حكومات الدول المستهلكة بتقديم إعانات هائلة لمنتجي الوقود الحيوي ومصادر الطاقة البديلة، وهو الأمر الذي نقل العداء للعرب إلى القطاع الخاص، حيث أصبح من الطبيعي أن تسوغ الشركات حصولها على هذه الإعانات بأنها تسهم في «محاربة الإرهاب» عن طريق تخفيض اعتماد بلادها على النفط المستورد، كما تم تطوير طاقة الرياح بشكل كبير تحت غطاء «الحرية من تحكم العرب»، مع أن طاقة الرياح تنافس الفحم والغاز المستخدمين في توليد الكهرباء ولا تنافس النفط الذي يستخدم في قطاع المواصلات، لذا فنحن بحاجة ماسة إلى فكر عربي نفطي يتميز بالإنسانية والموضوعية والعدالة والعالمية بعيداً كل البعد عن ردة الفعل والعواطف والعنصرية والانتهازية، ومن أهم المخاطر التي تواجه نشأة هذا الفكر – لدينا – أن يتكون كردة فعل للفكر الغربي، ومن الضروري أن يتكون ذاتياً بناء على تراثنا العربي الإسلامي المتسامح بمفاهيمه الإنسانية العالمية.
الركائز
- برأيكم.. ما أهم الركائز التي من المفترض أن يقوم عليها هذا الفكر؟
-
إن تكوين الفكر لا يتم في «أنا أعتقد» و» في رأيي أنا» ولكنه يتمثل في الأعمال الفكرية والأكاديمية والنظريات العلمية والنماذج الرياضية والإحصائية التي ستخضع لنقاش طويل على مدار السنوات المقبلة – بمشيئة الله -، من قبل المتخصصين في كل المجالات، بما في ذلك الاقتصادية والسياسية والقانونية والشرعية والاجتماعية والتقنية، فعملية تكوين أساسيات هذا الفكر ستستغرق سنوات طويلة، بينما قد تستغرق عملية بناء الفكر نفسه عدة عقود من الزمن، وسيسهم هذا الفكر في عملية التنمية من خلال الوصول إلى إجابات لأسئلة كثيرة ومتنوعة منها هل النفط العربي للأجيال الحالية أم أنه للأجيال الآتية أيضاً، وإذا كان للأجيال الآتية نصيب فما هو مستوى الإنتاج العادل حتى يتم ضمان نصيبها، وهل علينا استخراج ما نستطيع الآن وتحويل هذا النفط إلى صناعات أخرى تضمن دخلاً لهذه الأجيال لتنمية مستدامة وما هو موقف العرب من مصادر الطاقة البديلة والمنافسة للنفط، وهل يعتبر التطور التكنولوجي خطراً في هذه الحال، أم أنه يعد خطوة إيجابية طالما أنها تسهم في تطور الإنسانية، كذلك ما هو الموقف العربي النفطي من حماية البيئة، خصوصاً من الآثار الناتجة من احتراق النفط، وهل يرتبط هذا المفهوم بقياس التكلفة والعائد أم أن مفهوم حماية البيئة أمر يتعلق بالمبادئ ولا يمكن المساومة عليه، وما هو الموقف من انسياب النفط من المنصات البحرية وحاملات النفط ومن هو المسؤول عن تحمل تكاليف عمليات التنظيف والتعويض، وهل يخضع هذا الأمر للقوانين الدولية أم القوانين المحلية، والمفاهيم الأخرى كما هو مفهوم تكلفة النفط، هل يشمل ذلك كلفة رأس المال وعمليات الاستخراج، أم أنه يشمل سعر النفط كمصدر ناضب، وهل ينظر لهذه التكلفة من وجهة نظر اجتماعية أم من وجهة نظر فردية، وعدداً من النقاط الأخرى كالسعر العادل للنفط وسعره السائد في السوق والتعبير عن الكلفة وكيف تتم (المحاسبي – الاجتماعي) ووجهات النظر العادلة ما بين المنتجين والمستهلكين أم بهما معاً.
رابط الحوار في جريدة الرياض
- http://www.alriyadh.com/1100455
مقابلة رائعه .. نشكرك على اتاحتها هنا ❤️