ثورة الغاز المائي هل تنهي عصر النفط؟
نشر هذا المقال في جريدة الحياة بتاريخ 26 أذار 2013
أنس بن فيصل الحجي
أعلنت اليابان قبل أسبوعين، وبعد جهود استغرقت حوالى 12 سنة، أنها تمكنت من استخراج الغاز من احتياطات الغاز المائي في قاع البحر. وكان ما قامت به اليابان حلماً راود الباحثين في هذه المجال لعقود طويلة لأن من يستطيع استخراج الغاز في شكل تجاري من احتياطات الغاز المائي في أعماق البحار، سيحل مشكلة ندرة الطاقة لمئات السنين.
ويتفق الخبراء على أن احتياطات الغاز المائي الموجودة في العالم هائلة لدرجة أنها أكبر من مجموع احتياطات الفحم والنفط والغاز! وتقدر كمية الغاز الموجودة في المياه الإقليمية اليابانية بما يعادل استهلاك الغاز في اليابان لمئة سنة. واليابان أكبر مستورد للغاز المسال في العالم، وأصبحت تحتاج إلى الغاز أكثر من أي وقت مضى بعد حادثة مفاعلات فوكوشيما النووية. وإذا استطاعت اليابان تطوير هذا المصدر كي تكتفي ذاتياً من الغاز، فقد يؤدي ذلك إلى مشاكل كبيرة في صناعة الغاز المسال، خصوصاً في قطر وأستراليا.
والغاز المائي هو غاز محصور في ماء متجمد في أعماق البحار، نتج عن اتحاد الغاز والماء في ظل ضغط وحرارة معينين. ويوجد هذا الغاز في قيعان البحار العميقة في طبقة صلبة تشبه الزجاج أو الجليد وتحتوي على كميات كبيرة من غاز الميثان. وتصلب الطبقات التي يوجد فيها الغاز المائي يدل على كمية الضغط الهائلة ودرجة الحرارة المنخفضة التي يوجد فيها. ومتى تغير الضغط أو الحرارة أو كلاهما يتحرر الميثان ويخرج من الماء على شكل فقاعات ضخمة، ما يفسر الغرق المفاجئ لبعض السفن أو ابتلاع البحر إياها، سواء في مثلث برمودا أو غيره. وهذه الظاهرة هي ما أعاق تطوير هذا المصدر الطبيعي.
ويوجد الغاز المائي بكميات ضخمة في المحيطات في أعماق تتجاوز 500 متر. ويتوافر تقريباً في كل مكان حول العالم، خصوصاً في المناطق القطبية. وتتميز طبقته بقوة ردها للموجات الصوتية ما يسهل عملية اكتشافه.
وفي حال تقدم العلم في شكل يسمح باستخراج هذا النوع من الغاز، فإن الغاز سيصبح المصدر الأول للطاقة في العالم، وسيطغى على النفط لدرجة أنه قد ينهي عصر النفط. و نظراً إلى أن استخراجه صعب جداً بسبب الذوبان والتبخر، فإن ما قامت به اليابان أخيراً يعد سبقاً علمياً بكل المعايير. فاليابان حفرت الماء المتجمد، ثم خفضت الضغط داخل الجليد، فانفك الماء عن الميثان، وانساب الميثان عبر أنابيب.
وحتى لو استخرِج الغاز المائي في شكل تجاري، فإن المشاكل البيئية لاستخراجه قد تكون أكبر من أي وقود أحفوري، وأكبر من آثار انفجار بئر ماكندو النفطية في خليج المكسيك، فأي خلل في عملية الاستخراج قد يؤدي إلى تفكك الجليد، وخروج غاز الميثان في شكل فقاعة أو فقاعات ضخمة جداً، ثم خروجه إلى البحر فالجو، وقد يسبب تسونامي في بعض المناطق. وغاز الميثان هو أكثر الغازات خطراً ويُعد من أهم الغازات المسببة للاحتباس الحراري. ويذكر أن من أهم النظريات التي تفسر عملية الاحتباس الحراري التي حصلت قبل آلاف السنين ترجح أن السبب هو انبعاث كميات كبيرة من غاز الميثان من الأرض.
وعلى رغم كل الصعوبات التي تواجه تطوير احتياطات هذا الغاز، وعلى رغم الكلفة العالية لإنتاجه حالياً، علمتنا السنوات الأخيرة وثورة النفط والغاز في أميركا الشمالية أن نتوقع ما لا يمكن توقعه. لذلك، يمكن القول إن هذا الاكتشاف الياباني لن يؤثر حالياً في أسواق الطاقة العالمية، ولكنه يحمل في طياته كل العوامل التي قد تقلب أسواق الطاقة العالمية رأساً على عقب مرة أخرى.
رابط المقال في جريدة الحياة
Comment