النفط ليس هدف الاحتلال ولكنه و سيلة مساعدة لتحقيق أهدافه
تتعارض سيطرة الولايات المتحدة على النفط العراقي مع أهداف استراتيجية الطاقة التي تبناها الرئيس جورج بوش، وأهداف ما يعرف بـ “تقرير تشيني” الذي صدرت النسخة الأولى منه في ربيع عام 2001، وأهداف سياسات الطاقة السابقة، بما في ذلك تلك التي تم تبنيها في عهد الرئيس جورج بوش الأب. لذلك فإن سياسات الطاقة الأمريكية وأمن الطاقة الأمريكي لا يتطلبان سيطرة الولايات المتحدة على النفط العراقي. من هذا المنطلق فإن الولايات المتحدة لم تحتل العراق لإرواء عطشها من النفط، وعلى أنصار نظرية المؤامرة التي تركز على النفط البحث عن أسباب و أهداف أخرى، خاصة أن أمريكا كانت تتمتع بسيطرة كبيرة على النفط العراقي من خلال عقود عام 1987، ومن خلال برنامج النفط مقابل الغذاء، ومن خلال المقاطعة الاقتصادية التي كانت مفروضة على العراق، كما تبين في المقالين السابقين. أهداف سياسة الطاقة الأمريكية والنفط العراقي تهدف سياسة الطاقة الأمريكية، وذلك وفقا إلى استراتيجية الرئيس جورج بوش وتقرير تشيني وسياسات الطاقة السابقة إلى تحقيق عدة أمور أهمها:
1- تنويع مصادر الطاقة: هذا يعني تعدد مصادر الطاقة المختلفة وتخفيض دور المصادر التي تشكل نسبة كبيرة من الاستهلاك وزيادة استخدام المصادر الأخرى. هذه الفكرة، والتي تعد العمود الفقري لأي سياسة طاقة أمريكية، تنقض نظرية المؤامرة التي تقول بأن هدف الاحتلال هو السيطرة على النفط العراقي وتخفيض أسعار النفط وتدمير أوبك بهدف إرواء عطش الولايات المتحدة من النفط. فالسيطرة على النفط العراقي ستؤدي إلى زيادة اعتماد الولايات المتحدة على النفط مقابل مصادر الطاقة الأخرى. إن العداء المستفحل في الغرب من كل الأحزاب والأطياف ضد النفط دليل آخر على أن سياسة الطاقة الأمريكية لا تتطلب السيطرة على النفط العراقي.
2- تنويع مصادر واردات النفط: اتبعت الولايات المتحدة هذه السياسة منذ زمن بعيد حيث استطاعت زيادة عدد الدول التي تستورد منها حتى لا تكون ضحية للعوامل السياسية والطبيعية لمنطقة ما. إن أمن الطاقة يتطلب هذا التنويع. السيطرة على النفط العراقي وزيادة واردات الولايات المتحدة منه يتعارض مع هذه السياسة وسيجعل الولايات المتحدة تحت رحمة العوامل السياسية في العراق، وهو أمر لا يمكن لأي إدارة أمريكية أن تقبله. إضافة إلى ذلك فإن تخفيض أسعار النفط، كما يدعي أنصار نظرية المؤامرة بأنه هدف الاحتلال، سيؤدي إلى تركيز واردات الولايات المتحدة بدلا من تنويعها. فهبوط أسعار النفط سيؤدي إلى انخفاض الإنتاج في المناطق عالية التكلفة، وسيقلل من عدد الدول المصدرة. وهنا لابد من التذكير بأن نفط بحر الشمال ونفط ألاسكا ما كان له أن يرى النور لولا ارتفاع الأسعار على إثر رفع أوبك الأسعار ثم المقاطعة النفطية العربية التي تلت ذلك الرفع. في المقابل، خسرت الولايات المتحدة نحو ثلاثة ملايين برميل من إنتاجها اليومي بسبب انخفاض الأسعار في منتصف الثمانينيات وفي عامي 1998 و1999.
3- الاستيراد من مناطق مستقرة و آمنة: مع مرور الزمن استطاعت الولايات المتحدة تنويع مصادر وارداتها النفطية من جهة، وتركيز جزء مهم منها في مناطق آمنة حيث إن من أهم المصدرين للولايات المتحدة الآن كندا والمكسيك. ولفترة طويلة من الزمن كانت فنزويلا تعد من المصادر الآمنة للنفط. إن زيادة اعتماد الولايات المتحدة على النفط العراقي يتعارض مع هذا الهدف. فالشرق الأوسط ككل يصنف منطقة غير آمنة، وهذا التصنيف هو أحد الأسباب الرئيسة لظهور مفهوم أمن الطاقة في السنوات الأخيرة.
4- استقرار أسعار النفط و تخفيض تذبذبها: استقرار الأسعار مهم للمستهلكين و المنتجين لأسباب كثيرة أهمها أن الاستقرار يساعد الحكومات على تطبيق سياساتها المالية و النقدية بنجاح، كما يمكن القطاع الخاص من التخطيط لفترات أطول، وبتكاليف أقل. بعبارة أخرى، هناك فوائد اقتصادية وسياسية ضخمة من استقرار الأسعار، حتى لو في مستويات عالية. ما يراه أنصار نظرية المؤامرة من أن احتلال أمريكا للعراق يهدف لإرواء عطشها من نفطه، وتخفيض أسعار النفط، وتفكيك أوبك يتعارض مع هدف استقرار أسعار النفط. فالحرب والتفجيرات المستمرة للمنشآت النفطية تسهم في زيادة ذبذبة الأسعار. وانخفاض الأسعار يؤدي إلى انخفاض الطاقة الإنتاجية في المناطق المرتفعة التكاليف ويمنع الدول المنتجة من الاستمرار في الاستثمار في احتياطيات جديدة. هذه النتائج تؤدي إلى ذبذبة الأسعار من جهة، وارتفاعها في المراحل المقبلة من جهة أخرى. أما تفكيك أوبك فإنه سيؤدي إلى أن كل دولة ستتصرف على حدة و في أوقات مختلفة، الأمر الذي سيؤدي أيضاً إلى زيادة ذبذبة الأسعار.
أهداف السياسة الخارجية و النفط العراقي ما ذكر في المقالين الماضيين والطرح المذكور أعلاه يبين أن هناك تعارضاُ صارخاً بين أهداف سياسية الطاقة الأمريكية وفكرة اعتماد الولايات المتحدة على النفط العراقي. إذا ما دور النفط؟ ولماذا قام الجيش الأمريكي بالسيطرة على حقول النفط العراقية في بداية الاحتلال؟ ولماذا تمت حماية وزارة النفط بينما تم تدمير الوزارات الأخرى أو السماح بنهبها؟ الجواب بكل بساطة هو أن السياسة الخارجية الأمريكية تتطلب السيطرة على النفط العراقي. فمن وجهة نظر السياسة الخارجية، ما مصدر قوة العدو؟ المصدر هو المال الذي ينفقه الرئيس العراقي صدام حسين على الجيش، ومصدر هذا المال هو النفط. إذا السيطرة على مصدر قوة الخصم هو هدف استراتيجي لإضعاف هذا الخصم للتخلص منه. ولكن هناك هدف استراتيجي آخر يتمثل في استخدام إيرادات النفط لتمويل حكومة عراقية جديدة موالية للولايات المتحدة. إذا سيطرة الجيش الأمريكي على حقول النفط يسوغها إضعاف الخصم، وعبارات المسؤولين الأمريكيين المتعلقة بأموال النفط يسوغها تمويل الحرب وتمويل الحكومة الجديدة. هذا كل ما في الأمر. حاجة الولايات المتحدة للنفط العراقي تتمثل في الأموال التي يقدمها لدعم الحكومة الجديدة. طبعاً هناك من يرى أيضاً أن هناك أهداف استراتيجية أبعد من العراق لأن سيطرة الولايات المتحدة على النفط العراقي تعني سيطرتها بشكل مباشر على اقتصادات الدول المنافسة مثل الصين واليابان. ما ينقض هذه الفكرة هو ما ذكر في المقال الماضي من أن الولايات المتحدة كانت مسيطرة على النفط العراقي بشكل كبير خلال عهد صدام حسين وتأثير هذه السيطرة في الاقتصادين الصيني والياباني لم يتغير. ولكن قد تكون هناك أبعاد استراتيجية لا علاقة لها بالنفط ولكن بالموقع الاستراتيجي للعراق. خلاصة القول، النفط العراقي ليس هدف الاحتلال، ولكنه وسيلة لتحقيق أهداف الاحتلال المتمثلة في إزالة نظام وتمويل نظام جديد مكانه. ولاشك أن هناك أهدافا أخرى قد ينكشف بعضها مع مرور الزمن.
Comment