النفط بين الجنوبيين في السودان و الأكراد في العراق: النفط يفرض السلام وعدم الانفصال!
مقال قديم نشر منذ سنوات عديدة..
منذ أكثر من عام تقريباً أعلنت دولة قازاخستان أنها قامت بإنشاء شركة تأمين تضمن استثمارات الشركات النفطية فيها في حالة حدوث أزمات سياسية تودي باستثمارات الشركات الأجنبية. وفي نفس الفترة بدأت مباحثات السلام السودانية في مدينة ماشكوس بين الانفصاليين الجنوبيين والحكومة السودانية. و نشرت وكالات الأنباء في وقتها أخباراً مفادها أن قادة الأكراد في شمال العراق يفكرون بشن هجوم على مدينة كركوك العراقية للسيطرة على منابع النفط هناك وتأسيس دولة كردية. و سمعنا في الأيام الأخيرة عن الاتفاقات التي تمت بين الحكومة السودانية و الانفصاليين في الجنوب والتي تتضمن أموراً عدة أهمها تقاسم عائدات النفط. كما تناقلت وكالات الأنباء نبأ الخلافات العرقية في مدينة كركوك التي يحاول الأكراد أن يجعلوها عاصمة لولاية كردية تتمتع بحكم ذاتي ضمن فدرالية عراقية.
ما هي العلاقة بين قازاخستان وجنوب السودان و منطقة الأكراد في شمال العراق؟
هناك صفتين مشتركتين بين هذه المناطق. الأولى أنها كلها مناطق غنية بالنفط. و الثانية أن كل هذه المناطق مغلقة ليس لها منفذ بحري يمكنها من تصدير النفط.
ما هي أهمية الأخبار المسرودة أعلاه؟
هذه الأخبار تدل على أن النفط لعب دولارً كبيراً في عدم تحقيق السلام في السودان, و عدم انفصال جنوب السودان عن السودان وشمال العراق عن العراق. إن ما قامت به قازاخستان يدل على أنه لا يمكن حتى لدولة قوية في جنوب السودان أو في شمال العراق أن تطور قطاعها النفطي و تجذب الاستثمارات الأجنبية.
قازاخستان
تواجه قازاخستان مشكلة في تسويق نفطها بسبب موقعها الجغرافي وبعدها عن المنافذ البحرية العالمية, الأمر الذي تطلب بناء شبكة عالمية من أنابيب النفط. ولولا التدخل السياسي الأمريكي في المنطقة وتقديم ضمانات مالية ضخمة لما تم بناء خط الأنابيب, ولما تمكنت قازاخستان من تصدير نفطها. ونظراً للقلاقل السياسية في المنطقة و انعدام الاستقرار السياسي و انتشار الفساد الإداري و الدور الضعيف للقانون فإن الشركات العالمية, رغم رغبتها في الاستثمار في المنطقة, مترددة وخائفة. ولكن هذه المخاطرة لم تأت بدون ثمن حيث اضطرت قازاخستان إلى توقيع عقود لا يتوقع توقيعها لو كانت منفتحة على العالم عن طريق منفذ مائي. لقد قامت الشركات بالمطالبة بأرباح عالية مقابل المخاطر التي تتعرض لها ووافقت قازاخستان على ذلك. أما عمليات التمويل فقد تمت بمعدلات فائدة مرتفعة بسبب ارتفاع نسبة المخاطرة في هذه الاستثمارات, الأمر الذي شكل عبئا إضافياً على صناعة النفط القازاخستانية, وخفف من قدرتها التنافسية عالمياً. أضف إلى ذلك فإن تكاليف بناء خطوط الأنابيب التي بلغت المليارات من الدولارات والمخاطر السياسية التي يمكن أن تطيح بها. إن قازاخستان تتمتع بثروة نفطية كبيرة, ولكنها تدفع ثمن موقعها الجغرافي جزءاً كبيراً من ذلك النفط, على عكس الدول النفطية الأخرى مثل اليمن والمكسيك والنرويج ونيجيريا وليبيا وغيرها.
في محاولة لجذب استثمارات النفط الأجنبية قامت قازاخستان بإنشاء شركة تأمين لضمان استثمارات الشركات الأجنبية. وبناء على هذه الفكرة الجديدة والفريدة فإن الحكومة ستقوم بتعويض شركات النفط الأجنبية في حالة خسارتها بسبب القلاقل السياسية أو الفساد الإداري. وسيتم تغطية التأمين عن طريق قرض من البنك الدولي قيمته 50 مليون دولار و مشاركة شركات تأمين عالمية بمبلغ 200 مليون دولار.
إذا كانت هذه الحال بالنسبة لدولة مستقلة و كبيرة و غنية بالنفط و تعاني من بعض القلاقل السياسية والفساد الإداري ولديها بعض بقايا تكنولوجيا الاتحاد السوفيتي, فماذا ستكون عليه حال دولة متخلفة في جنوب السودان أو دولة كردية منهكة في شمال العراق؟ إن مجرد خوف قازاخستان من عدم الاستقرار السياسي في المنطقة أدى إلى قيامها بتأمين الاستثمارات الأجنبية, فماذا ستكون عليه حالة جنوب السودان وشمال العراق؟ فكلا المنطقتين ستعانيان, ليس من القلاقل السياسية والحروب المستمرة فحسب, بل حتى من عدم اعتراف عدد من دول العالم بها, أولهم جيرانها!
جنوب السودان
لقد حصل جون قرنق في جنوب السودان على الدعم الأمريكي الكامل, كما استطاع تجنيد الرأي العام العالمي لصالحه بمساعدة اليمين المسيحي. ومع ذلك كله أيقن أنه لا يمكن الاستفادة من النفط, أو حتى الموارد المعدنية الأخرى, إلا إذا ظل الجنوب جزءاً من السودان لأن للسودان شواطئ طويلة على البحر الأحمر. إن انفصال الجنوب لن يمكنه من تسويق نفطه لأن الحل الوحيد هو استخدام خط أنابيب النفط المار بالسودان والواصل إلى بورت سودان. إن الحلول الأخرى التي تتضمن إنشاء خط أنابيب عبر كينيا و أثيوبيا غير ممكنة تقنياً ولا يمكن القيام بها. إن الاتفاقيات التي يتم توقيعها الآن بين الحكومة السودانية وجون قرنق هي نتيجة اقتناع كل من المجتمع الدولي والحكومة السودانية وقرنق نفسه أنه لا يمكن الاستفادة من النفط السوداني إلا إذا حل السلام في المنطقة, وهذا هو أحد مسوغات التدخل الأمريكي في المباحثات.
شمال العراق
ولن تتمكن دولة كردية من تصدير النفط من كركوك, رغم وجود خط الأنابيب الواصل بين ميناء كركوك و ميناء جيهان في تركيا. وسيواجه الأكراد إذا انفصلوا مشاكل عديدة أهمها أن العديد من الفئات ستقوم بنسف أنبوب النفط لمنع الأكراد من الاستفادة منه, وهو الأمر الذي تكرر عشرات المرات منذ الاجتياح الأمريكي للعراق. إذا لم تتمكن الولايات المتحدة الأمريكية بقوتها وعتادها و أموالها أن تستطيع تصدير النفط من كروك حتى الآن, فيكيف لدول كردية ضعيفة أن تقوم بذلك؟
وسيواجه الأكراد مشكلة أخلاقية كبيرة, حتى لو سمح لهم ضمن معادلة عالمية ما بتصدير النفط عبر خط الأنابيب التركي, وهي أن المدفوعات التي تحصل عليها تركيا من خط الأنابيب ستذهب لتسليح الجيش التركي الذي يقتل ويشرد إخوانهم الأكراد في تركيا يومياً.
وليس من المتوقع أن توافق سوريا على وجود دولة كردية بجوارها لما في ذلك من أثر على المناطق الكردية في سوريا, لذلك لا يتوقع أن تقوم سوريا بالسماح لدولة كردية بتصدير النفط عبر أراضيها. و سيجد الأكراد صعوبة ضخمة في تمويل العمليات النفطية لرفض الشركات العالمية العمل في منطقة غير مستقرة سياسياً. وتشير بيانات الحقول في كركوك أنها تحتاج إلى عمليات ترميم و إصلاح تتجاوز تكلفتها مليارات الدولارت, والتي لا يمكن حتى لحكومة عراقية مستقرة أن تقوم بها. فكيف يمكن لدولة كردية صغيرة وفقيرة و غير مستقرة سياسياً القيام بذلك.
إن معادلة النفط الدولية تتطلب وجود جنوب السودان ضمن السودان ووجود كركوك ضمن العراق. ولولا التخبط الذي عانى منه المجتمع الدولي أثناء انهيار الاتحاد السوفيتي, لوجدنا خارطة لقازاخستان تختلف عما هي عليه اليوم! لقد لعب النفط دوراً كبيراً في الخارطة التي اخترعها كل من “مارك سايكس” البريطاني و “جورج بيكو”. فقد تم رسم الحدود بناء على الحقول النفطية المعروفة في ذلك الوقت, تماماً كما يحدث الآن في السودان والعراق! وكما حدث ويحدث في إندونيسيا وربما نيجيريا.
Comment