«النفط الخفيف» خفض الأسعار والفائض مسؤولية دول في أفريقيا
على دول غرب إفريقا تحمل أعباء التخفيض التغيير يتطلب حلولا ابتكارية خارج الصندوق
أكد خبير النفط وكبير اقتصاديي شركة إن جي بي الدكتور أنس بن فيصل الحجي، أن أوبك تواجه صعوبة في المحافظة على مستوى سعري فوق المائة دولار، مشيرًا إلى أن الصعوبة التي تواجهها أوبك تكمن في أن الفائض من النوع الخفيف، وبتالي يجب أن يكون تخفيض انتاج أوبك مربوطًا بالنوعية، وهو أمر لم يحصل في الماضي.
وأوضح الحجي أن فورة النفط في الولايات المتحدة كانت السبب الرئيسي وراء هذه الصعوبة، مُشيرًا إلى أن الزيادة في إنتاج النفط الأمريكي هي من النوع الخفيف، الأمر الذي نتج عنه انخفاض كبير في واردات الولايات المتحدة من هذه النفوط، والتي كانت تأتي من أنغولا والجزائر ونيجيريا مما حد هذه الدول بالبحث عن أسواق جديدة.
وقال الحجي: إن أسواق النفط العالمية تغيرت بشكل كبير، وهذا التغير يتطلب حلولا ابتكارية خارج الصندوق ودعا الحجي الأكاديميين إلى التركيز على أسواق النفط لحل معضلة أوبك المتعلقة بنوعية النفط. واقترح الحجي قيام السعودية بعملية مقايضة مع نيجيريا بحيث تقوم السعودية بتصدير المنتجات النفطية إلى نيجيريا مقابل استيراد السعودية للنفط الخام من نيجيريا وتخزينه كاحتياطي إستراتيجي أو تكريره في المصافي السعودية.
وأشار الدكتور الحجي إلى أن أنغولا والجزائر ونيجيريا استفادت من انقطاع النفط الليبي والذي هو من النوعية الخفيفة نفسها وصدرت نفوطها إلى ما كان سابقًا سوقًا للنفط الليبي، أما الآن مع عودة النفط الليبي اشتدت المنافسة بين هذه الدول، الأمر الذي أسهم في تخفيض أسعار النفط، خاصة خام برنت، مُشيرًا إلى أن الزيادة المستمرة والسريعة في إنتاج النفط الليبي كانت مفاجئة للخبراء والمحللين.
وأوضح الدكتورالحجي أن أكثر الدول تأثرًا من انخفاض الأسعار، خاصة من الناحية السياسية هي فنزويلا، تليها العراق، وليس روسيا أو إيران كما يدعي البعض. موضحًا أن عودة القلاقل السياسية إلى فنزويلا قد ترفع أسعار النفط بشكل كبير الأمر الذي يتطلب زيادة إنتاج النفط الثقيل في السعودية.
وحذر الحجي من أن انخفاض الأسعار سيخفض إنتاج النفط الأمريكي في المدى القريب ولكنه قد يؤدي فيما بعد إلى زيادة كبيرة في المستقبل بسبب تخفيض تكاليف الشركات وتحسن التكنولوجيا، تماما كما حصل في قطاع الغاز حيث تحسنت التكنولوجيا وانخفضت التكاليف وارتفع الإنتاج إلى مستويات قياسية في ظل أسعار منخفضة جدا. وذكر أن تكاليف إنتاج النفط الخفيف الحلو تتراوح ما بين 40 دولارًا و80 دولارًا للبرميل، والتي قد تنخفض إلى ما بين 20 و50 دولارًا للبرميل. هذا يعني أن التكلفة الحدية ستصبح أقل بكثير من تكلفة الإنتاج في المياه العميقة في البرازيل وغيرها. هذا يعني أن مشكلة دول أوبك المتعلقة بنوعية النفط ستعود إلى الظهور مستقبلا ويجب إيجاد حل عملي لهذه القضية.
وبين الدكتور الحجي أن الانخفاض الأخير في أسعار النفط هو نتيجة طبيعية للمتغيرات التي أثرت في أساسيات السوق، حيث إنه منذ شهر أغسطس الماضي زاد إنتاج النفط الليبي والنيجيري والإيراني، مما خفض من كميات النفط التي خسرها العالم نتيجة العوامل السياسية. مَوضحًا أنه في الوقت ذاته استمر الإنتاج العالمي في الارتفاع، خاصة في أمريكا الشمالية.
وأضاف أنه إذا نظرنا إلى تفاصيل بيانات العرض والطلب نجد أنه رغم نمو الطلب العالمي على النفط والذي كان حسب تقديرنا في شركة إن جي بي 980 ألف برميل يوميًا في عام 2014 إلا أنه كان هناك فائض في المعروض بمقدار 500 ألف برميل يوميا، الأمر الذي رفع مستوى مخزونات النفط في الدول المستهلكة وخفض الأسعار إلى ما دون 90 دولارًا للبرميل.
وأكد الدكتور الحجي أن المخزون التجاري الأمريكي حاليًا في أعلى مستوى له تاريخيًا ماعدا المخزون في الشهر نفسه من عام 2010. وإذا قمنا بتعديل هذا الرقم حسب معدلات الاستهلاك والواردات نجد أنه الأعلى تاريخيا.
وعن أثر النفط الصخري الأمريكي، في سوق النفط العالمي الدكتور أنس الحجي أن ثورة النفط والغاز في الولايات المتحدة هي ثورة حقيقية بدأت تغير مسارات التجارة العالمية في النفط وقد تسهم في قلب تجارة الغاز المسال رأسًا على عقب. وأشار إلى أنه منذ عام ٢٠٠٥ وحتى الآن زاد إنتاج النفط الخام الأمريكي بأكثر من ثلاثة ملايين برميل يوميا أو حوالي ٥٥ في المائة، وهذه الزيادة فقط أكبر من إنتاج الإمارات أو الكويت، مُبينًا أن زيادة إنتاج النفط في الولايات المتحدة لا تؤثر بشكل مباشر على دول الخليج، ولكنها تؤثر في أوبك كمنظمة تحاول أن تكون قراراتها بالإجماع ولكن المشكلة ستتفاقم في المستقبل مع زيادة إنتاج النفط الكندي سواء صدر من الولايات المتحدة أو غرب كندا أو القطب الشمالي، لأنه سينافس النفط الخليجي في الأسواق الآسيوية.
وذكر الحجي أنه في حالة أقرت الولايات المتحدة تصدير النفط الخام رسميا، فإن ذلك لن يؤثر في متوسط أسعار النفط ولكن قد يؤثر في الفروقات السعرية، وذلك لأن أي كميات سيتم تصديرها سيقابلها انخفاض في صادرات المنتجات النفطية بسبب ارتفاع أسعار الخام الأمريكي داخل الولايات المتحدة. وفي حالة الغاز المسال فإن الولايات المتحدة ستبدأ بالتصدير في نهاية 2015 أو بداية 2016. وذكر الحجي أن توقعات شركة إن جي بي تشير إلى أن إصدرات الولايات المتحدة لن تؤثر في توازن أسواق الغاز المسال إلا إذا تجاوزت الكمية 5 مليارات قدم مكعبة بحلول عام 2020.
وأوضح الدكتور الحجي أنه رغم أن النفط الأمريكي لا يهدد النفط الخليجي مباشرة، إلا أن له آثارًا غير مباشرة قد تهدد الأهداف الإستراتيجية التي تبنتها بعض الدول الخليجية منذ السبعينيات. فقد تبنت بعض دول الخليج أهدافًا إستراتيجية بهدف توزيع مصادر الدخل وتحقيق تنمية اقتصادية مثل بناء صناعة بتروكيماويات ضخمة وبناء مصاف كبيرة بهدف التصدير وتصدير السوائل الغازية، والتي لا تدخل في حصص إنتاج أوبك. والآن تهدد ثورة النفط الأمريكي قطاع البتروكيماويات والتكرير والسوائل الغازية في هذه الدول الخليجية بسبب توافر الميثان والإيثان بكميات ضخمة وبأسعار رخيصة، وبسبب الزيادة الهائلة في صادرات الولايات المتحدة من المواد المكررة والسوائل الغازية، خاصة البروبان.
Comment