الغاز القطري، قناة السويس، والأزمة الحالية
الغاز القطري، قناة السويس، والأزمة الحالية
أنس بن فيصل الحجي
تنويه: الكاتب باحث مستقل، وهذا يتطلب التجرد من العواطف، والتركيز على الواقع، لفهم هذا الواقع. أرحب بأي نقد للافكار المذكورة في هذا المقال، ولكن أرجو عدم تشخيص هذه الأفكار.
وبإمكان أي وسيلة إعلامية نقل هذا المقال أو نقل جزء منه بشرط ذكر المصدر.
قطر دولة نفطية غازية وعضوة في منظمة الاقطار المصدر للنفط وفي منظمة الاقطار المصدر للغاز. وحتى نعرف ثقل قطر في عالم الطاقة، علينا أن نتذكر أنه لو كان غازها نفطا فإن صادراتها تكون أكبر من الصادرات النفطية لكل من الأمارات والكويت مجتمعتين.
وبالنظر إلى الأزمة الحالية وأثرها في أسواق الغاز تحديدا، لابد من ذكر بعض العوامل التي تحكم سلوك المنتجين والمصدرين وأصحاب المعابر المائية:
- امدادات الغاز: كل مُنتج يتمتع باحتياطيات ضخمة يهدف إلى إيجاد سوق دائمة لمنتجاته، وهذا يتطلب أمور عدة أهمها خلق مصداقية مع المشترين. من هنا نجد أن بعض الشركات والدول تتحمل أحيانا خسائر حتى لاتتزعزع ثقة المشترين بها، خاصة ان بعض الدراسات أوضحت أن استرجاع ثقة الزبون في عالم النفط قد يستغرق 15 عاما.
- من هذا المنطلق استمرت روسيا بتوفير الغاز لأوروبا تحت أي ظروف سياسية وتحت أي سعر.
- من هذا المنطلق استمرت السعودية في توفير امدادات النفط لعملائها حتى في أحلك الظروف، بل وأنشأت مخزون نفطي بالقرب من الدول المسنهلكة في آسيا لهذا الغرض.
- من هذا المنطلق أثبتت مصر للعالم أن العبور في قناة السويس لايخضع للتقلبات السياسية
- وبناء على ذلك فإن موقف قطر لن يختلف عن الآخرين: تحاول أن تثبت لزبائنها أنها مصدر آمن للطاقة يمكن الاعتماد عليه، وبالتالي فإنه لايخضع للتقلبات السياسية.
- أضف إلى ذلك أن قطر بحاجة لأي أموال اضافية في الوقت الحالي، وأي وقف لامدادات الغاز من قبلها لايعني فقط خسائر إيرادات الغاز، بل يشمل تكاليف عالية لوقف الإنتاج في الحقول، وقد يشمل تعويضات مستقبلية لملاك مشروع الدولفين الذي ينقل الغاز من قطر إلى الأمارات وعمان.
- كما أن قطر تحاول تخفيف التصعيد ضدها، وليس من صالحها اطلاقا أن تقوم بأي ردة فعل على الحظر ضدها.
- وليس من صالحها تأجيج الرأي العام في الأمارات، سواء مواطنين او مقيمين، إذا أوقفت تصدير الغاز، وبدأت الكهرباء بالانفطاع، في هذا الصيف الحارق.
النتيجة: استمرار قطر بتصدير الغاز والغاز المسال
- قناة السويس: حسب اتفاقية القسطنطينية الموقعة في تاريخ 29 أكتوبر 1888 فإن المادة الأولى ضمنت حرية الملاحة في قناة السويس في حالة السلم والحرب لكل دول العالم. وبالتالي فإن مصر لاتستطيع منع السفن، حتى الحربية منها وتابعة لدول غير صديقة، من عبور القناة. إلا أن المادة 10 من الاتفاق تنص على أحقية مصر في منع سفن دولة عدوة في حرب مع مصر. بعبارة أخرى، يشترط المنع القانوني على أن تكون مصر أعلنت الحرب على الدول الأخرى، أو ان الدولة الأخرى أعلنت الحرب على مصر. وتضمنت المادة 10 عبارة مطاطة تسمح للحكومة المصرية بتبني عدة خيارات حيث نصت على أنه يمكن لخديوي مصر منع سفن بعض الدول “للدفاع عن مصر وصينة الأمن العام”
- يتضح من الأحداث الحالية أن مصر وقطر في مشكلة دبلوماسية وليستا في حالت حرب، وبالتالي ليس هناك سبب لمنع سفن الغاز القطرية من المرور في القناة إلى أوروبا.
- أغلب الغاز القطري المار في قناة السويس محمل في ناقلات تحمل أعلاما أجنبية، وليست قطرية، وأغلبها من دول صديقة لمصر.
- مصر نفسها تستورد الغاز المسال القطري لحاجتها للغاز. ويذكر أنه في أوج الأزمة، قامت سفينة نرويجية منذ أيام بتفريغ شحنى غاز مسال قطري في مصر، وهي الآن في طريق عودتها لقطر للتحميل مرة أخرى.
- مرت الحكومة المصرية بخلافات عدة مع دول عدة، كما مرت بحالات تقلبات سياسية في السنوات الأخيرة، ومع هذا لم تمنع أي سفن من عبور القناة للحفاظ على سمعة القناة، كما ذكر سابقا. إن زيادة مخاطر العبور تعني تفضيل بعض السفن الملاحة حول افريقيا بدلا من عبور القناة.
- منع شحنات الغاز القطري من عبور القناة يعني منع امدادات الغاز من الوصول إلى بعض الدول الأوروبية الكبرى، الأمر الذي يفقد مصر دعم هذه الدول، خاصة بريطانيا، ويؤجج الرأي العام في هذه الدول ضد مصر. ويذكر أن نسبة صادرات قطر من الغاز التي تمر عبر القناة إلى أوروبا صعيرة مقارنة باجمالي صادرات الغاز المسال، والتي يذهب أغلبها إلى آسيا.
- منع مرور ناقلات الغاز القطري في القناة قد يؤدي مباشرة إلى قيام قطر بقطع امدادات الغاز عن الأمارات، وهذا يعني خسارة الجميع، بلا استثناء.
النتيجة: مصر لن تمنع حاملات الغاز القطري من المرور في القناة
- تغيير طرق الملاحة: كيف نفسر تغيير سفينتين اتجاهمها قرب باب المندب وذهابهما حول افريقيا بدلا من الدخول في البحر الأحمر وعبور القناة؟
- بشكل عام، يمكن لناقلات الغاز القطري أن تتلافى المرور في قناة السويس تماما وتبحر حول رأس الجاء الصالح. موضوع الزيادة في التكاليف يعتمد على أسعار النفط. حتى قبل الأزمة كانت بعض شركات الملاحة تفضل ارسال سفنها حول رأس الرجاء الصالح لأنه رغم كل التأخير، فإنها تستطيع توفير 280 ألف دولار على الأقل على كل سفينة، في ضوء أسعار النفط المنخفضة. وهذا يفسر انخفاض عدد السفن المارة في القناة وإيرادات القناة في العام الماضي.
- الذي شغل المختصين في الأيام الأخيرة هو تغيير ناقلتين للغاز المسال القطري مسارهما بالقرب من باب المندب حيث عادتا للمحيط ثم اتجهتا للدوران حول افريقيا مع أنه كان من المقرر أن تبحرا عبر البحر الأحمر ثم عبر قناة السويس. (شاهد الخريطة أدناه).
- تعددت التفسيرات لهذا التغيير. وبما أن السفنيتين تحملان علم جزر مارشال، فإنه لايمكن القول بأن مصر منعت عبورهما لأنهما قطريتان. وأقرب تفسير لهذا التغيير في ظل عدم وجود أي تصريح رسمي من ملاك السفينتين هو أنه في اليومين الأولين من الأزمة كان هناك اضطراب وعدم وضوح في موضوع المسموح والمحظور، ليس بما يتعلق بالعبور فقط، وانما فيما يتعلق بالتزود بالوقود والخدمات الأخرى. ولكن هناك أدلة أخرى تشير إلى تواجد مسلحين، سواء كانوا ارهابيين أو قراصنة، قرب المضيق. وكانوا قد اطلقوا قذائف آر بي جي على سفينة في المنطقة. ويعزز هذا الرأي أن هناك الآن، اثناء كتابة هذا المقال، ناقلات في القناة، وفي البحر الأحمر، وبعضها يدخل المضيق، وهي ناقلات عليها حراسة مسلحة، الأمر الذي يوحي بأن الناقلتين التين غيرتا مسارهما تفتقدان لهذه الحراسة.
النتيجة: ستستمر قطر بتصدير الغاز المسال عبر البحر الأحمر وقناة السويس وماحصل في أول يومين هو حادثة نادرة.
في الصورة أدناه مأخوذة اليوم. كل النقاط الحمراء توضح ناقلات الغاز المسال في البحر الأحمر وقناة السويس، وكلها تحمل غاز مسال قطري.
المصدر:
- الخلاصة:
من الواضح الأن أن التصعيد فوق المستويات الحالية ليس في صالح أحد، وأي وقف لامدادات الغاز القطري، من أي طرف، سيؤثر سلبيا في قطر ومصر والأمارات وكل الدول المستوردة والناقلة. نحن نعيش عالم مترابط ومتداخل في كل المستويات، وبذلك فإن أي حظر لامدادات الغاز من أي طرف سيكون له أثار مباشرة وغير مباشرة تطال أمور كثيرة ليست بالحسبان.
الاتفاقيات الدولية والمصالح بعيدة المدى ترسمان سياسات الحكومات المنتمية لبلدانها والتي تنظر للمستقبل ولمصلحة البلاد لا لمصالح خاصة وآنيّة وليست الحكومات التي فُرضت على الشعوب بالقهر وبالإرهاب الذي تدّعي حربه