الدول المنتجة للنفط والنقص في التقنيات
نشر هذا المقال في جريدة الحياة بتاريخ 8 أيار 2012
أنس بن فيصل الحجي
تسعى الدول المستهلكة للنفط إلى تحسين أمن الطاقة عن طريق تنويع مصادر الطاقة، وتنويع مصادر واردات النفط، وتخفيف الاعتماد على واردات النفط. ولا يختلف وضع الدول المنتجة عن الدول المستهلكة، فهي أيضاً تحاول تحسين أمن الطاقة عن طريق تنويع مصادر الطاقة والإكثار من الدول التي تصدّر إليها والتخفيف من الاعتماد على صادرات النفط.
وتنوِّع الدول المستهلكة مصادر الطاقة باستخدام تكنولوجيا طوِّرت، ولو في شكل جزئي أحياناً، في داخلها، بينما تفعل الدول المنتجة الشيء ذاته باستيراد التكنولوجيا من الدول المستهلكة. وفيما تحاول هذه الأخيرة تخفيف الاعتماد على النفط من طريق تطوير التكنولوجيا وتحسين الكفاءة في الاستخدام، تخفف الدول المنتجة من الاعتماد على النفط، إما عن طريق استيراد تكنولوجيا من الدول المستهلكة كما فعلت الإمارات مع الطاقة النووية، أو عن طريق إيجاد مصدر أحفوري بديل مثلما فعلت السعودية مع الغاز.
وعندما تحاول الدول المنتجة تنويع مصادر الدخل، تقع هذه الدول في مآزق منها:
1- عندما تنوع دولة نفطية مصادر الدخل عن طريق التركيز على قطاعات غير نفطية، فإنها تقوم بأحد أمرين أو كلاهما معاً: بناء قطاعات اقتصادية جديدة بدعم من إيرادات النفط، أو بناء صناعات كثيفة الطاقة تعتمد في شكل كثيف على النفط والغاز. أين التنويع إذاً؟
2- عندما تقوم دولة نفطية بتبني صناعات متقدمة لتنويع مصادر الدخل، يعطي توافر النفط والغاز من جهة، وتوافر إيرادات النفط من جهة أخرى، ميزة نسبية للصناعات كثيفة الطاقة ورأس المال معاً. والـمـشكـلة فـي هـذا النـموذج ان هـذه الصـناعات بطـبيـعتها لا تؤمّن فرص وظيفية لتشغيل مئات الألوف من العاطلين من العمل. إضافة إلى ذلك، فإن فرص هذه الصناعات في إيجاد صناعات أخرى محدود للغاية، ما يعني ان هذه الصناعات تحد من تنويع مصادر الدخل من جهة، ولا تحل مشكلة البطالة من جهة أخرى.
3- عندما تنوّع دولة نفطية مصادر الدخل عن طريق بناء صناعات كثيفة الطاقة، مثل البتروكيماويات، تلعب أسعار المدخلات دوراً كبيراً في قدرتها على المنافسة عالمياً، ما يفسر بيع الغاز والنفط لصناعة البتروكيماويات بأسعار مخفضة جداً مقارنة بالأسعار العالمية. من المستفيد في هذه الحالة؟ لا تحل هذه المصانع مشكلة البطالة وفي الوقت ذاته تساهم في زيادة رفاهية الفرد في الدول المستوردة لهذه المواد لأن المستفيد في النهاية من حصول صناعات البتروكيماويات على النفط والغاز بأسعار مخفضة، هو الدول المستهلكة لأنها تحصل على منتجات بتروكيماوية رخيصة.
4- عندما تستخدم دولة نفطية مصادر بديلة للتخفيف من الاعتماد على صادرات النفط، فإنها في الوقت ذاته تصدّر النفط الموفر من استخدام المصادر البديلة. هذا يعني ان استخدام النفط داخلياً انخفض، لكن الاقتصاد ككل ما زال يعتمد على صادرات النفط.
5- عندما تستخدم دولة نفطية تكنولوجيا جديدة لتحل محل النفط بحجة أنها تكنولوجيا مستقبلية، تغيب حقيقة مُرّة مفادها أن هذه الدول لم تتمكن من تنويع مصادر الدخل خلال السنوات الـ 80 الماضية، وما زال النفط هو المصدر الأساس للدخل فيها، وأنها حتى الآن ما زالت تستورد تكنولوجيا النفط وخبراته حتى اليوم. إذا كانت هناك 80 سنة خبرة مع النفط وما زالت التكنولوجيا والخبرات تستورَد حتى الآن، ما الذي يجعل الطاقة النووية أو الشمسية تختلف عن النفط؟ وما الذي يضمن ان ما حدث في النفط لن يحدث في هاتين الصناعتين؟
أما القول بوجوب تقليد النرويج لأنها دولة نفطية نجحت في أمور كثيرة، فغير مقبول لأن مشكلات الدول النامية كانت موجودة قبل النفط، وهذه المشكلات ما زالت موجودة حتى الآن. وهناك فارق كبـيـر بين ان تـتـدفق الأموال الضخمة على اقتصاد سليم، وأن تتدفق على اقتصاد مريض.
أليس من غرائب الأمور ان تكون عواصم أوروبية مركزاً لصناعة النفط العالمية وليس في هذه الدول أي نفط؟ ما الذي يجعل هيوستن عاصمة النفط في العالم؟ هل لأن فيها آبار نفط؟ لا، السبب هو أنها مركز تكنولوجيا النفط وخبراته في العالم.
إن البديل لكل الهروب من النفط من قبل الدول النفطية هو احتضان النفط. دول الخليج ليست في حاجة إلى تقليد النموذج النرويجي، لأنها تستطيع ان تشق طريقاً مختلفة ومستقلة. المطلوب هو ان تتحول مدن مثل الرياض أو الدمام أو أبو ظبي إلى عواصم نفطية تصدر النفط والتكنولوجيا والخبرات معاً، وتكنولوجيا النفط وخبراته كفيلة وحدها بإنتاج اقتصاد متنوع ومتقدم. وليست في هذا الحال المراكز البحثية المتخصصة في النفط كافية إذا بقيت الخبرات البشرية العاملة فيها أجنبية.
من جريدة الحياة
Comment