الحجج الإيرانية والردود الأمريكية .. هل إيران في حاجة إلى الطاقة النووية؟

هل يتحول الخلاف حول النووي الإيراني إلى خلاف طويل المدى؟
أنس بن فيصل الحجي
نشرت النسخة الإنجليزية من هذا المقال في عام 2007 والمقال أدناه نشر في جريدة الاقتصادية في أول مايو من 2009. وخلاصة المقال تدل على صحة توقعات المقال.
يتعجب الإيرانيون من مواقف الولايات المتحدة وبريطانيا الرافضة لتطوير المفاعلات الإيرانية، خاصة أن الحكومة الحالية تطور المفاعلات التي بدأ الشاه ببنائها بدعم أمريكي – بريطاني. فقد بدأ الأمريكيون والبريطانيون برنامج إيران النووي في الخمسينيات بعد أن أطاحوا بحكومة محمد مصدق وأعادوا الشاه للحكم. قام الشاه محمد رضا بهلوي بتنشيط البرنامج وتوقيع عدة اتفاقيات نووية مع الولايات المتحدة وبريطانيا في السبعينيات. أقنع الأمريكيون والبريطانيون الشاه بأن إيران بحاجة إلى الطاقة النووية كونها بديلاً للنفط الناضب، وكونها الطريقة الوحيدة لمقابلة الطلب المتزايد على الطاقة الناتج عن الزيادة السكانية الكبيرة من جهة، والهجرة من الريف إلى المدن من جهة أخرى. إذا كان الأمريكيون والبريطانيون مقتنعين بأن إيران في حاجة إلى طاقة نووية في ذلك الوقت، فإن الحاجة إليها الآن أكبر من أي وقت مضى بسبب تضاعف حجم السكان، وانخفاض صادرات النفط إلى نحو النصف، واقتراب الحقول الإيرانية من النضوب بعد عقود من الاستنزاف.
تصر الحكومة الإيرانية على أن هدف برنامجها النووي هو توليد الكهرباء. يسخر الخبراء الإيرانيون من الادعاءات التي تقول إن إيران تهدف إلى بناء سلاح نووي بهدف تعزيز مركزها العالمي سياسياً واقتصادياً ورفع شأنها بين الدول، خاصة أن باكستان وكوريا الشمالية فشلتا في تعزيز موقعهما الدولي، كما أن وجود السلاح النووي لم يرفع من شأنهما، بل انعكس عليهما سلبياً. يؤكد هؤلاء الخبراء أن دور الهند العالمي لم يتعزز إلا في السنوات الأخيرة بسبب وضعها الاقتصادي، وليس بسبب قوتها النووية، مع أنها قوة نووية منذ زمن بعيد. يؤكد الخبراء الإيرانيون أنه حتى لو حصلت إيران على أسلحة نووية فإن هذا لن يعزز قدراتها الدفاعية في وجه هجوم أمريكي أو روسي لأنه ليس لدى إيران، حتى مع توافر السلاح النووي، الصواريخ العابرة للقارات لتحمل السلاح النووي، وليس لديها القدرة على الرد إذا تم ضربها.
مسوغات تطوير الطاقة النووية
1 ـ النفط والغاز مصدران ناضبان ولا بد من تأمين مصادر طاقة بديلة للمستقبل. 2 ـ كل الحقول الإيرانية المنتجة حالياً حقول قديمة وبدأت تعاني كل مظاهر النضوب، بما في ذلك انخفاض الإنتاج وارتفاع التكاليف.
3 ـ الطلب على الكهرباء يزداد بمقدار 8 في المائة سنوياً ولا يمكن مقابلة هذا الطلب من النفط والغاز، الأمر الذي سيخفض من صادرات النفط والغاز ويحرم إيران من العملات الصعبة التي تحتاج إليها لتمويل وارداتها، والتي تمول أيضاً برامج الإعانات الضخمة التي تقدمها الحكومة للشعب الإيراني.
4 ـ وجود احتياطيات النفط والغاز في أماكن بعيدة عن المدن الإيرانية الكبيرة.
5 ـ عدم استطاعة إيران لأسباب اقتصادية وفنية زيادة إنتاج الغاز بكميات كبيرة لاستخدامه في توليد الكهرباء.
6 ـ تكاليف إنتاج الكهرباء من الطاقة النووية أقل من إنتاجها بالغاز الطبيعي.
7 ـ لدى إيران كميات كافية من اليورانيوم لتشغيل المفاعلات التي تخطط لها.
الردود على المسوغات الإيرانية
1 ـ حتى لو كان الغرض سلمياً فإن إيران تحرق كميات هائلة من الغاز للتخلص منه. هذه الكميات تكفي لإنتاج أضعاف ما يمكن إنتاجه من الكهرباء من مفاعل بوشهر.
2 ـ تكاليف إنتاج الكهرباء من الغاز في إيران أرخص من إنتاجها من الطاقة النووية.
3 ـ أغلب مشكلات إيران المتعلقة بالطاقة مرتبطة بالسياسة الحكومية، وليس بعوامل جيولوجية أو جغرافية أو فنية. فكيف لبلد نفطي مثل إيران أن يستورد الغاز والبنزين؟ (الأمور تغيرت فيما بعد وتم بناء مصافي وانخفضت واردات البنزين بسكل كبير بعد التهديد الأمريكي بحظر تصدير البنزين إلى إيران من اي دول في العالم)
4 ـ كمية اليورانيوم الموجودة في إيران صغيرة جداً وستضطر إيران إلى استيراد اليورانيوم إذا نجحت في تطوير المفاعلات المخططط لها.
5 ـ رغم أن الحقول الإيرانية بعيدة عن مراكز الكثافة السكانية إلا أنه يمكن نقل النفط والغاز عبر الأنابيب بسهولة، خاصة أن هناك أنابيب عابرة للقارات في الوقت الحالي. المشكلة سياسية وتعود إلى نظرة الحكومة للمواطنين العرب في إقليم عربستان الذي يحتوي على معظم احتياطيات النفط والغاز.
6 ـ إذا كانت الحكومة الإيرانية قلقة بهذا الشكل بشأن مستقبل الطاقة في إيران فإن عليها إظهار ذلك باتباع سياسات تتضمن رفعا تدريجيا لأسعار البنزين والغاز والكهرباء، والاستثمار في تحسين كفاءة السيارات المنتجة محلياً، التي تعتبر من أسوأ السيارات في العالم من ناحية استخدام البنزين، والاستثمار في المصافي للتخفيف انسياب النفط، واتخاذ إجراءات صارمة لمنع تهريب البنزين إلى الدول المجاورة.
الخيار الإيراني
إذا كانت الحكومة الإيرانية صادقة في ادعاءاتها فإنه ليس لديها خيار سوى الاستمرار في تخصيب اليورانيوم وبناء المفاعلات النووية، مهما كانت التكاليف الاقتصادية والسياسية. سيكون الخيار بين العقوبات الاقتصادية واحتمال تعرض إيران لضربة عسكرية، وبين انهيار النظام. الخيار هنا واضح تماماً لأن حماية النظام هي المهمة الأولى للحكومة. إن أكثر ما يخشاه النظام هو أن يؤدي نقص الطاقة في إيران إلى تباطؤ النمو الاقتصادي، وانخفاض مستويات دخل الأفراد، وارتفاع مستويات البطالة، وعدم قدرة الحكومة على دعم السلع الأساسية، الأمر الذي سينتج عنه اضطرابات سياسية قد تطيح بالنظام كله. ويبدو أن النظام الحالي تعلم درساً مهما من تاريخ إيران: الضغط الداخلي قد يؤدي إلى انهيار النظام، ولكن الضغط الخارجي لن يسقطه. تمكن النظام من الصمود خلال العقود الثلاثة الماضية رغم آثار الثورة السيئة التي نتج عنها مقتل عشرات الآلاف وتغيير كامل في هيكل المجتمع، والحرب العراقية الإيرانية التي استمرت ثماني سنوات وقتلت أكثر من ثلاثة أرباع مليون إيراني، والعقوبات الاقتصادية، وضغط دولي ضخم. في المقابل، رغم الدعم الدولي الضخم للشاه إلا أنه سقط بسبب الضغوط الداخلية، وهرب من إيران، ورفض أصدقاؤه استضافته، حتى للعلاج.
خلاصة الأمر أن إيران ستستمر في تخصيب اليورانيوم. تستطيع إيران تحمل الضغوط الخارجية، ولكن عليها أن تستجيب للضغوط الداخلية
Comment