أسباب انخفاض أسعار النفط في الأسبوع المنصرم

نوفمبر 18، 2018
أنس بن فيصل الحجي
في الفترة الماضية انخفضت أسعار النفط بشكل كبير، ومتسارع أحيانا، كما حصل يوم الثلاثاء الماضي. فقد انخفضت أسعار النفط بحوالي 20 دولار من أعلى مستوى وصلت له مؤخرا، كما هو موضوح في الشكل البياني رقم (1)، والذي يوضح اتجاهات أسعار النفط الخام الأمريكية (اتجاهات خام برنت مشابهة لها، إلا أن السعر أعلى بحوالي 10 دولارات للبرميل)
أسباب الهبوط
السبب الأساس للهبوط هو زيادة المعروض وحصول تخمة في السوق، ودليل ذلك ارتفاع مستويات المخزون في الدول الصناعية خاصة في الولايات المتحدة، بعد ارتفاع إنتاج بعض دول أوبك وخارجها، خاصة روسيا والولايات المتحدة.
ويمكن إجمال أهم الأسباب فيما يلي:
- زيادة إنتاج دول أوبك منذ شهر مايو الماضي كما هو موضح في الشكل البياني رقم (2)
- الزيادة الكبيرة والمفاجئة في إنتاج النفط الأمريكي منذ شهر أغسطس الماضي، كما هو موضح في الشكل البياني رقم (3)
- عدم تطبيق العقوبات على إيران كما أدعى الرئيس دونالد ترامب ومنحه استثناءات لثماني دول لاستيراد النفط من إيران
- ظهور بوادر تباطؤ في نمو الطلب العالمي في النفط نتيجة الحروب التجارية من جهة، وانخفاض عملات اقتصادات الدول الناشئة من جهة أخرى. وبما أن النفط يُسَعّر بالدولار، فإن انخفاض عملات هذه الدول يعني ارتفاع تكاليف واردات النفط بالعملات المحلية، حتى لو ترتفع أسعاره العالمية. وبناء على ذلك قامت عدة هيئات متخصصة بتخفيض توقعاتها للطلب العالمي على النفط في الفترات الأخيرة.
الشكل رقم (1)
شرح الأرقام أعلاه:
- زيادة الإنتاج الأمريكي
- زيادة إنتاج أوبك
- تقارير متشائمة من أوبك ووكالة الطاقة الدولية
- زيادة غير متوقعة في الإنتاج الأمريكي
- ترامب يعلن استثناء 8 دول من العقوبات على إيران
- تقارير متشائمة من أوبك ووكالة الطاقة الدولية
- السعودية تعلن عن تخفيض الإنتاج في ديسمبر وأخبار عن احتمال تخفيض أوبك+ للإنتاج
الشكل رقم (2)
الشكل رقم (3)
ولكن نظرة فاحصة إلى الأسباب الأربعة أعلاه تُبيّن لنا أن بعضها كان متوقعاَ، ولايمكن لأمور متوقعة أن تغير منحى السوق بشكل مفاجئ و متسارع. لهذا فإن السبب المباشر للانخفاض هو الأمور غير المتوقعة وهي الزيادة المفاجئة في الإنتاج الأمريكي من جهة، وقرار ترامب تطبيق عقوبات أضعف من المتوقع على إيران.
ونتج عن التطورات السابقة ارتفاع في المخزون التجاري في الدول الصناعية (دول منظمة التعاون والتنمية)، وزيادة كبيرة في مخزون النفط التجاري الأمريكي نتيجة زيادة الواردات وانخفاض الصادرات، وزيادة الإنتاج، و السحب من الاحتياطي النفطي الاستراتيجي لبيعه وتغطية مصاريفه حسب موازنة 2018 التي أقرّها الكونغرس. ويبين الشكلين البيانيين (4) و (5) ارتفاع المخزون في المناطق المذكورة.
الشكل رقم (4)
الشكل رقم (5)
ولكن مع استمرار الهبوط، حصلت المشاكل التالية في الأسواق، فاستمر الهبوط بتسارع شديد، إلى أن بلغ ذروته يوم الثلاثاء الماضي:
1- التجارة الالكترونية
يتم برمجة برامج الشراء والبيع بناء على معادلات معينة فتقوم الحواسيب بشراء أو بيع كميات محددة من العقود النفطية إذا تجاوزت الأسعار حدودا معينة لتحقيق أرباح أو للتخفيف من الخسائر. مع انخفاض أسعار النفط قامت هذه البرامج ببيع العقود في أوقات متقاربة، فانخفضت الأسعار أكثر، فتجاوزت الحدود لتجار آخرين، فانخفضت أكثر، وهكذا.
2- عقود الخيارات (options)
قد يكون لهذا النوع من العقود الدور الأكبر في تسريع الانخفاض، خاصة يوم الثلاثاء. وهذا النوع من العقود هو نوع من التحوط أو الـتأمين منتشر بين شركات النفط، خاصة الصغيرة والمتوسطة منها. فيقوم منتج النفط بالتعاقد مع شركة آخرى، غالبا بنك، يضمن فيها البنك أن لايقل سعر النفط عن حد معين مقابل دفع مبلغ معين. هذا يشبه تماما موضوع التأمين حي يقوم الشخص بدفع مبلغ معين للتأمين على سيارته، فإذا حصل حادث تقوم شركة التأمين بإعادة السيارة إلى ماكانت عليه، أو تغطية قيمة السيارة. في هذا الحالة كل المبالغ التي يجمعها البنك من مبالغ التحوط من شركات النفط هي أرباح مجانية إذا بقيت أسعار النفط فوق الحد المتفق عليه. أما بالنسبة للمنتج فإنه يكون قد ضَمِن سعر أدنى لمنتجه يحميه إذا انخفضت الأسعار، وبالتالي فإن مايدفعه للبنك هو تكاليف. في هذه العقود، المخاطرة تقع على البنك. للتخفيف من المخاطرة، يقوم البنك بشراء عقود نفط مستقبلية. عدما انخفضت الأسعار للأسباب المذكورة أعلاه، انخفضت الأسعار تحت حد السعر المتفق عليه، فاختار المنتجون أن يطبقوا الاتفاق مع البنوك لمنع حدوث خسائر، فاضطرت البنوك لبيع عقود النفط المستقبلية لتغطية الفرق ولتخفيض خسائرها من تلك العقود، فاستمرت الأسعار بالهبوط. وبما أن الحد المتفق عليه يختلف من عقد لأخر، ساءت الأمور أكثر مع استمرار انخفاض الأسعار لأن ذلك يعني بيع المزيد من العقود المستقبلية. ويذكر أن شركات النفط الوطنية لا تلجأ إلى هذا الأسلوب، إلا أن شركة النفط المكسيكية تلجأ له ياستمرار,
3- تغطية عقود النفط والغاز المستقبلية
الحديث عن تغطية عقود النفط المستقبلية مع انخفاض الأسعار ذكر أعلاه في 1 و 2، إلا أن هناك أمر أخر أسهم في تسريع هبوط أسعار النفط وزيادة الهبوط يوم الثلاثاء الماضي وهو أن أسعار الغاز الطبيعي ارتفعت بشكل مفاجئ في الأسواق الفورية والمستقبلية في الولايات المتحدة بسبب ندرة المعروض وبداية مبكرة لفصل الشتاء (الغاز يستخدم في التدفئة)، الأمر الذي وضع بعض الشركات التي تتاجر في هذه العقود في موقع صعب جدا: كان المتوقع هو استمرار صعود أسعار النفط واستمرار هبوط أسعار الغاز الطبيعي. فقامت هذه الشركات بشراء عقود النفط وبيع عقود الغاز في الأسواق المستقبلية. مع انخفاض أسعار النفط وارتفاع أسعار الغاز، ولتخفيف خسائرها، اضطرت هذه الشركات لتغطية عقودها عن طريق بيع عقود النفط وشراء عقود الغاز، فاستمرت أسعار النفط بالانخفاض واستمرت أسعار الغاز بالارتفاع.
4- الخوف
هناك تجار لاعلاقة لهم بما ذكر سابقا، ولكن الانخفاض المتسارع أخافهم، ومع وجود رؤية ضبابية في أسواق النفط ، قرروا بيع عقودهم المستقبلية بخسائر كبيرة. فاستمرت أسعار النفط بالانخفاض.
ويوضح الشكل البياني رقم (6) انخفاض عدد العقود النفطية التي يملكها المضاربون والمستثمرون نتيجة التطورات التي ذكرت سابقا في عقود النفط الأمريكية، علمت بأن اتجاهات ملكية العقود في خام برنت تشابهها. .
الشكل رقم (6)
نظرة مستقبلية
أعلنت السعودية أنها ستخفض صادراتها بمقدار 500 ألف برميل يوميا في شهر ديسمبر القادم. وعلى الرغم من أن هذا التغير يتواءم مع التغيرات التاريخية، إلا أن إعلانه يعكس رغبة السعودية في وقف انحدار الأسعار، ورغبتها في أسعار أعلى. كما نشرت وسائل الإعلام والصحافة النفطية المتخصصة تسريبات وأخبار مفادها أن كبار المنتجين في أوبك وخارج أوبك قد يقرروا تخفيض الإنتاج مابين مليون و 1,4 مليون برميل يومياً في الاجتماع القادم في بدايات شهر ديسمبر. هذه التخفيضات من شانها أن ترفع أسعار النفط، ولكن ضمن حدود معقولة لأن الطلب العالمي على النفط ينخفض عادة في الربع الأول من كل عام. وتشير تقديرات أوبك ووكالة الطاقة الدولية إلى انخفاض الطلب العالمي على النفط في الربع الأول من العام القادم بحوالي مليون برميل يوميا.
خلاصة الأمر أن الأسوأ قد مر، ويتوقع تحسن أسعار النفط.
Comment