أزمة الطاقة القادمة؟
نشر في عام 2007 في جريدة الاقتصادية
تشير التطورات الحالية إلى احتمال حصول أزمة طاقة عالمية في المستقبل لم يسبق لها مثيل، ومحورها أن العرض لن يواكب الطلب على النفط. هذه التطورات تشمل إصرار قادة الدول الصناعية على إمكانية التخلص من الاعتماد على النفط، استمرار الدول المنتجة للنفط في بناء صناعات كثيفة الطاقة كردة فعل على ذلك، ونمو الطلب على الطاقة بشكل كبير في الدول المنتجة للنفط، والعجز في إمدادات الكهرباء في الدول المنتجة للنفط.
إن تلافي هذه الأزمة يتطلب قرارات شجاعة في كل من الدول المنتجة والمستهلكة تقضي بتخفيض الإعانات للمنتجات النفطية وترشيد استهلاكها وتحسين الكفاءة في الاستخدام في الدول المنتجة، وتخفيض الإعانات في الدول المستهلكة لمصادر الطاقة التي يهدفون إلى تطويرها لتحل محل النفط. معاداة النفط وردة فعل الدول المنتجة بغض النظر عن الجدوى الاقتصادية للمشاريع الضخمة كثيفة الطاقة، فإنه من الواضح أن تبني هذه المشاريع في الدول المنتجة للنفط هو خيار استراتيجي لمجابهة العداء الشديد للنفط في الدول الصناعية. هذا العداء للنفط تطور في السنوات الأخيرة بشكل لم نشهده من قبل. فعلى سبيل المثال، تم تاريخياً الدعوة إلى وقف الاعتماد على واردات النفط من الشرق الأوسط، إلا أن الأمر تطور في السنوات الأخيرة وأصبح سياسيّو الدول المستهلكة يتحدثون عن وقف الاعتماد على النفط بشكل عام، بغض النظر عن مصدره.
وعلى سبيل المثال أيضا، ارتبطت صناعة النفط تاريخيا في ذهن المواطن الأمريكي بالحزب الجمهوري، وذلك بسبب كون كثير من أعضاء الحزب ومسؤوليه من العاملين في قطاع النفط. إلا أنه في السنوات الأخيرة قام عدد كبير من الجمهوريين بالدعوة إلى وقف الاعتماد على النفط بعد أن ربطوا بين النفط والإرهاب.
أما الديمقراطيون فإنهم قاموا بالضغط لوقف الاعتماد على النفط والتحول إلى مصادر طاقة بديلة بحجة أن النفط هو السبب الأساس للاحتباس الحراري. كان يمكن تجاهل ما يقوله هؤلاء بحجة أنه «للاستهلاك الداخلي»، لولا أنه صاحب ذلك إنفاق الحكومة الفيدرالية مليارات الدولارات لتنشيط صناعة الوقود الحيوي بشكل عام، والإيثانول المنتج من الذرة بشكل خاص. هذا الإنفاق الضخم أعطى انطباعا بأن حكومات الدول المستهلكة، خاصة الحكومة الأمريكية، جادة في عدائها للنفط.
في وجه هذا العداء الرهيب يصبح للصناعات الكثيفة الطاقة في الدول المنتجة معنى آخر، بعيداً عن الأهداف التنموية والاقتصادية، وهو أنه في حالة الاستغناء الفعلي عن النفط، يمكن تصدير النفط متضمناً في منتجات أخرى مثل البتروكيماويات والبلاستيك والألمنيوم والحديد والأسمنت وغير ذلك. ولكن المشكلة الحقيقية هي أن نجاح هذه المشاريع في الدول المنتجة للنفط سيؤدي إلى تخفيض صادراتها من النفط، في الوقت الذي سيفشل فيه سياسيو الدول المتقدمة في بناء «اقتصاد أخضر» وإيجاد بديل للنفط. هذا يعني أن الطلب على النفط لن ينخفض، في الوقت الذي ستقوم فيه الدول المنتجة بتخفيض صادرات النفط بشكل كبير بسبب الصناعات كثيفة الطاقة فيها. عندها ستحصل أزمة طاقة عالمية لم يشهدها العالم من قبل.
نمو الطلب على النفط في الدول المنتجة
كان من أهم أسباب ارتفاع أسعار النفط بين عامي 2005 ومنتصف 2008 ارتفاع الطلب على الطاقة بشكل كبير في الدول المنتجة. هذا الارتفاع كان نتيجة طبيعية لارتفاع أسعار النفط، والذي انعكس إيجابيا على إيرادات هذه الدول، ومن ثم نموها الاقتصادي وارتفاع دخول الأفراد فيها. كما أنه نتيجة طبيعية للنمو السكاني والتركيبة السكانية فيها. ورغم أهمية النمو الاقتصادي والسكاني في زيادة الطلب على النفط، إلا أن أحد العوامل الرئيسة أيضا هو الدعم الحكومي لأسعار المشتقات النفطية التي تباع محليا. وقد تبين خلال السنوات الثلاث الماضية أن الحديث في موضوع الدعم الحكومي للمشتقات النفطية ذو شجون، إلا أن هناك حقيقة يتفق عليها الجميع وهي أن الاستمرار بمعدلات نمو الاستهلاك الحالية للطاقة سيؤدي إلى كارثة، ولابد من اتخاذ الإجراءات اللازمة الآن لكبح جماح هذا النمو، ووقف التبذير والهدر، وتحسين الكفاءة في الاستخدام. إن استمرار نمو الطلب على المشتقات النفطية سيؤدي إلى تخفيض صادرات النفط، والذي سيؤدي بدوره إلى أزمة طاقة عالمية.
العجز في إمدادات الكهرباء في الدول المنتجة
إلا أن المشكلة، وللأسف، أكبر من ذلك. فقد أدى تنامي الطلب على الطاقة بجميع أنواعها إلى زيادة كبيرة في نمو الطلب على الكهرباء بشكل فاق القدرة على توليدها، وهذا ما يفسر انقطاع الكهرباء في أوقات الذروة في فترات بعد الظهر في الصيف في عديد من المدن الخليجية. وهذا العجز يفسر أيضا وجود عشرات الأبراج السكنية الخالية في بعض المدن الخليجية، ويفسر أيضا إفلاس الشركات التي بنتها. هذا الأمر لا يقتصر على الدول الخليجية، وإنما يمتد إلى دول أوبك الأخرى في إفريقيا وأمريكا اللاتينية، إلا أن الأزمة أكثر وضوحا في الخليج. إن دراسة سريعة لآثار العجز في الكهرباء في الدول النفطية تشير إلى زيادة استهلاك البنزين والديزل بسبب انقطاع التيار الكهربائي. هذا يعني أن هذه الزيادة أتت على حساب الصادرات، أو أنه تم استيرادها، وهذا يعني أنها زيادة في الطلب العالمي على النفط!
لماذا زاد استهلاك النفط والبنزين والديزل بسبب انقطاع الكهرباء؟
لأن بعض الدول قامت بتحويل كميات من النفط الخام من الصادرات وحرقها مباشرة في بعض محطات التوليد للتخفيف من حدة أزمة الكهرباء، متغاضية عن الآثار البيئية السيئة لحرق النفط الخام، بينما قامت بعض هذه الدول بزيادة واردات زيت الوقود الذي يستخدم في محطات الكهرباء. أما على مستوى الأفراد والقطاع الخاص، فإن البعض وجدوا أن الطريقة الوحيدة للتخلص من جحيم الحر القاتل عند انقطاع الكهرباء هو الركوب في السيارة وقيادتها للتنعم بـ «مكيّفها»، بينما قام آخرون بشراء مولدات صغيرة تعمل بالبنزين أو الديزل. أما المحال التجارية والبنوك فقامت بشراء مولدات ضخمة يتجاوز حجمها غرفة متوسطة الحجم، لدرجة أن منظر هذه المولدات الضخمة أصبح مألوفا في بعض المدن الخليجية.
إن زيادة الطلب المحلي على الطاقة في الدول المنتجة للنفط ستستمر، والعجز في الكهرباء سيستمر، على الأقل خلال العقد المقبل، وسينتج عن ذلك انخفاض صادرات النفط، خاصة بعد تلاشي الطاقة الإنتاجية الفائضة مع مرور الزمن. خلاصة الأمر، لو جمعنا هذه التطورات الثلاثة مع بعض، فإن النتيجة الحتمية هي أزمة طاقة عالمية. ما الحل؟ الحل ذكر في المقدمة أعلاه
جريدة الاقتصادية
http://www.aleqt.com/2010/02/16/article_350314.html
Comment