أثر ثورة الغاز الصخري الأمريكية في قطر
عندما نتحدث عن الصخري الأمريكي فإن أغلب الناس في دول الخليج تظن ان الحديث عن النفط، ولكن الحقيقة أن بداية الصخري منذ 2005 كانت في الغاز، ولم يتم تطوير النفط الصخري إلا بعد خمسة سنوات. والحقيقة أن ثورة الغاز الصخري أكبر وأهم بكثير من ثورة النفط الصخري، إلا أن اعتماد الناس في دول الخليج على النفط من جهة، وارتباط النفط بالسياسة من جهة أخرى، جعل الناس ووسائل الإعلام تركز على الجانب النفطي منها.
ويمكن إجمال أثر ثورة الغاز الصخري في قطر في خمسة أمور:
- خسارة السوق الأمريكية
منذ بداية التسعينيات اتفق الخبراء أن الولايات المتحدة ستعاني من شح كبير في امدادات الغاز الطبيعي نتيجة الانخفاض المستمر في انتاح الغاز الأمريكي في الوقت الذي يتزايد فيه الطلب على الغاز بشكل كبير، الأمر الذي جعل الشركات الأمريكية تبحث عن استثمارات في مشاريع تسييل الغاز في الدول المنتجة، وبناء سفن خاصة لشحن الغاز المسال، ثم بناء محطات لاستلام الغاز المسال وإعادته إلى حالته الغازية، ثم نقله في أنابيب إلى أماكن استخدامه.
ويتفق الخبراء على أن تطوير مشاريع الغاز المسال في قطر في التسعينيات سببه الرئيسي الفرص الضخمة في الأسواق الأمريكية. إلا أنه ما إن بدأ الغاز القطري يذهب إلى الولايات المتحدة حتى كانت ثورة الغاز الصخري في أوجها، فزاد المعروض المحلي داخل الولايات المتحدة بشكل كبير، وانهارت أسعار الغاز من حوالي 15 دولار إلى قرابة دولار واحد! ونتج عن ذلك وقف استيراد الغاز المسال من قطر تماما في عام 2013، والتي كان من المتوقع أن ترتفع صادراتها للولايات المتحدة مع الزمن، وفشلت كل هذه التوقعات، الأمر الذي أثر سلبيا في أسواق الغاز المسال في العالم أجمع، وخفّض أرباح قطر من مشاريع الغاز المسال.
واردات الولايات المتحدة من الغاز المسال من قطر توقفت منذ أربعة سنوات
مليون قدم مكعبة
المصدر: إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، 2017
- خسائر الاستثمارات في محطات استلام الغاز المسال واعادته لحالته الغازية في الولايات المتحدة
ولكي تضمن قطر حصتها السوقية في الولايات المتحدة، كان من الطبيعي أن تستثمر في محطات تحويل الغاز المسال إلى غاز في الولايات المتحدة (وهذا الاستثمار شبيه بقيام الدول المنتجة للنفط مثل السعودية وفنزويلا بالاستثمار في مصافي النفط الأمريكية). وكان من المتوقع أن تقوم قطر بتصدير كميات كبيرة من الغاز المسال إلى الولايات المتحدة بعقود طويلة المدى مرتبطة باسعار النفط.
وبناء على ذلك تم الاستثمار في محطة “جولدن باس” لاستلام الغاز وإعادته إلى حالته الغازية في تكساس على خليج المكسيك وهي من أكبر المحطات في العالم، وتجاوزت تكلفة بناؤها المليار دولار. وتبلغ الطاقة الاستيعابية لمحطة “جولدن باس” ملياري قدم مكعبة من الغاز يوميا، وهي كمية تساوي صادرات قطر للأمارات وعُمان عبر أنبوب الدلفين. وتملك قطر للبترول 70%، اكسون موبيل 17,6%، وكونوكوفيلبس 12,4%. وتم الانتهاء من بناء المحطة في عام 2010 واستملت أول شحنة غاز مسال من قطر في أكتوبر من ذلك العام. المشكلة أنه وصلت هذه الشحنة لتدشين المحطة فقط لأن الولايات المتحدة كانت تغرق في الغاز الصخري في ذلك الوقت فتوقف كل شيئ بعد ذلك. ومنذ فترة بدأت إدارة المشروع بتقديم الأوراق اللازمة لتحوّل المحطة من محطة استلام للغاز المسال القطري إلى محطة تصدير للغاز المسال الأمريكي.
استثمرت قطر حوالي 700 مليون دولار في محطة جولدن باس
- الخسائر الناتجة عن التصدير الغاز الأمريكي للمكسيك
قامت المكسيك منذ سنوات ببناء محطتين لاستيراد الغاز المسال بسبب الطلب المتزايد على الغاز في المكسيك، وقامت باستيراد الغاز المسال من عدة دول، بما في ذلك قطر ونيجيريا. إلا أن ثورة الغاز الصخري في الولايات المتحدة، خاصة في ولاية تكساس ذات الحدود الطويلة مع المكسيك، أدى إلى تصدير الغاز الأمريكي عبر الأنابيب وبسعر أرخص بكثير من تكلفة استيراد الغاز المسال، الأمر الذي خفض من واردات الغاز المسال بشكل عام وألغى وارداتها من عدة دول، بما في ذلك قطر. والأمر لم يتوقف على هذا الحد حيث تجري حاليا مباحثات لارسال الغاز الأمريكي المسال إلى المكسيك، وهناك خطط لتحويل محطات استيراد الغاز المسال إلى محطات تصدير وذلك بعد ربط هذه المحطات بانابيب الغاز القادمة من الولايات المتحدة. وبهذا فإن ثورة الغاز الصخري لم تؤدّ إلى خسارة السوق المكسيكية فقط، وانما أسهمت في تخفيض الطلب العالمي على الغاز المسال، وبالتالي تخفيض أسعاره.
- الخسائر الناتجة عن تصدير الغاز المسال الأمريكي
بدأت الولايات المتحدة في تصدير الغاز المسال في بداية عام 2016 (هناك محطة قديمة تصدر الغاز المسال منذ عقود في الآسكا وليس لها علاقة بالصخري)، والصادرات في زيادة منذ ذلك الوقت، ويتوقع لها أن تستمر بالزيادة خلال السنوات القادمة. هذه الزيادة أسهمت في زيادة الفائض في أسواق الغاز المسال وأسهمت في تخفيض أسعاره، الأمر الذي أسهم في تخفيض أرباح جزء من صادرات قطر.
شركة شينير قادت الجهود لتصدير الغاز المسال في الولايات المتحدة
- تفكيك العلاقة بين سعر الغاز المسال والنفط
ولعل الجزء الأهم المتعلق بزيادة صادرات الولايات المتحدة هو تفكيك العلاقة بين سعر الغاز المسال والنفط، الأمر الذي أسهم في تخفيض عائدات الدول المصدرة للغاز المسال كلها، بما في ذلك قطر.
عندما بدأت بعض الدول بتصدير الغاز المسال في الستينيات من القرن الماضي، لم يكن هناك سوق للغاز المسال بالمعنى المعروف، وبالتالي لايمكن أن يتحدد السعر. فتم الاتفاق على ربط سعر الغاز المسال بأسعار النفط وفق معادلة معينة، الأمر الذي استفادت منه الدول المصدرة للغاز المسال بشكل كبير عندما تجاوزت أسعار النفط 100 دولار للبرميل. ومع تحول الولايات المتحدة إلى مصدر للغاز المسال، قامت الشركات بتبني طريقة تسعير مختلفة أثرت سلبيا في صناعة الغاز المسال العالمية، وقائدتها، قطر. فقد قامت هذه الشركات بتوقيع عقود طويلة المدى مع شركات آسيوية وأوروبية تقضي بتوريد الغاز المسال لها بناء على سعر الغاز الأمريكي، مضافا إليه تكاليف التسييل، والنقل، وبذلك بدأت بتفكيك العلاقة بين أسعار النفط وأسعار الغاز المسال وذلك لأن الغاز الأمريكي رخيض جدا، ولايتوقع لأسعاره أن ترتفع حتى على المدى الطويل، بينما يتوقع أن ترتفع أسعار النفط يوما ما. فإذا ارتفعت أسعار النفط إلى مستويات أعلى من 70 دولار للبرميل، مثلا، فإن الغاز الأمريكي المسال يصبح منافسا في أي مكان في العالم.
ونتج عن هذا التطور قيام بعض الشركات بتقديم عقود أكثر مرونة للغاز المسال عن المعهود، بسبب ضغوط التسعير الأمريكية، الأمر الذي نتج عنه، وسينتج عنه، انخفاض أرباح الدول المصدرة للغاز المسال خاصة أستراليا وروسيا وقطر. وفي الوقت الذي يتوقع فيه البعض انتهاء عقود ربط أسعار الغاز بأسعار النفط تماما، يرى البعض أن الربط بأسعار النفط سيستمر في العقود الطويلة المدى، خاصة إذا رأت بعض الدول والشركات أن اسعارالنفط ستبقى منخفضة نسبيا في السنوات القادمة. ولكن الكل يتفق على أن تسعير الغاز المسال في الأسواق العالمية بناء على أسعار الغاز داخل الولايات المتحدة غير أسواق الغاز المسال للأبد.
Comment