“أبو نفط” و “عروبة النفط”
لقبه البدو على الساحل الشرقي للجزيرة العربية بـ “أبو نفط” بسبب أسئلته الدائمة والمتكررة عن “النفط”. من هو “أبو نفط”؟ وما أهمية التعريف به؟
“أبو نفط” لم يكن عربياً، بل كان مهندساً نيوزيلندياً اسمه فرانك هولمز. عمل جنرالاً في الجيش البريطاني في بدايات القرن الماضي ثم ترك عمله للبحث عن النفط في المنطقة الشرقية للجزيرة العربية بين مسقط والبصرة بعد سماعه تاجراً عربياً في سوق أديس أبابا في إثيوبيا يذكر وجود النفط في بعض العيون الجارية وبعض المستنقعات النفطية في البحرين.
تنقل بين البدو على الساحل الغربي للخليج، واستطاع الحصول على امتيازين في السعودية والبحرين. مر بظروف مادية صعبة وأصبح مثار سخرية المستثمرين والبدو في الوقت نفسه. رغم تأكده من وجود النفط في مناطق الامتياز إلا أن نقص المال أفشل مشاريعه واضطر إلى بيع امتيازاته لشركات أمريكية، التي اكتشفت النفط بكميات تجارية في المنطقة فيما بعد.
إطلاق البدو لقب “أبو نفط” على فرانك هولمز مهم لأن التسمية تدل على أن كلمة “نفط” عربية، وأنها كانت شائعة الاستعمال. كلمة “بترول” أجنبية، وكلمة “زيت” هي ترجمة حرفية لتلك الكلمة. إضافة إلى ذلك فإن قصة “أبو نفط”, إضافة إلى عشرات الأمثلة الأخرى، تشير إلى أن العرب عرفوا “النفط” قبل الأوروبيين بآلاف السنين. هل هذه الأمور مهمة؟ هل البحث فيما إذا كانت كلمة “نفط” عربية أم لا، وإذا ما كان العرب عرفت النفط قبل الأوروبيين مضيعة للوقت؟ الحقيقة أن استخدام العرب هذه الكلمة وشيوع استخدام هذه المادة لديهم يدحض افتراءات الغربيين الذين يقولون إنهم هم اللذين اكتشفوا النفط. كما يدحض ادعاءات بعض الأمريكيين الذين يقولون إن النفط العربي نفطهم لأنهم هم الذين اكتشفوه. هذا يعني أنهم يعتقدون أن لحكوماتهم الحق في التحكم في السياسات النفطية في الدول العربية بطريقة أو بأخرى أخرى.
“النفط” كلمة عربية
أطلقت العرب منذ القدم اسم “نفط” على المادة الداكنة التي كانت تطفو على سطح الأرض، خاصة في شمال شرقي الجزيرة العربية. تشير بعض المراجع إلى أن أصل كلمة “نفط” هو من كلمة “نبت”، ربما من لغات قديمة. سمت العرب بعض أنواعه “القار” و”الزفت”. ذكر ابن منظور في لسان العرب: القارُ وهو شيء أَسود تطلى به الإِبل والسفن يمنع الماء أَن يدخل. قام المسلمون باستخدام النفط في حروبهم حيث كانت هناك فرقة اسمها “النفاطات”، وهي فرقة عسكرية مهمتها نقل النفط إلى ساحة المعركة، وتغطيس كرات من الصوف وغيره بقدور مليئة بالنفط، ثم إشعالها ورميها على مواقع الأعداء بالمنجنيق. وأطلقت كلمة “نفاطات” على الأماكن التي كان يجمع منها القار حول بغداد، خاصة فيما يعرف اليوم بمدينة “القيارة”، التي اكتسبت اسمها من “القار”.
وتشير الدلائل التاريخية إلى قيام بعض الخلفاء العباسيين بتشكيل “وزارة” للنفط، وتعيين “وال” لكي يشرف على أمور هذه “النفاطات” التي انتشرت بشكل كبير بسبب ازدهار هذه الصناعة في ذلك الوقت.
العرب عرفت النفط منذ آلاف السنين
هناك أدلة كثيرة في الشعر والأمثال العربية على أن العرب عرفت النفط وخصائصه واستخدمته في مجالات شتى منذ آلاف السنين. وعلى الرغم من شيوع كلمة نفط واستخدامها في أشعار وأمثلة شتى، إلا أن شيوع القار أدى إلى استخدام هذه الكلمة بشكل أخص ليعني “النفط” كما نعرفه اليوم. وفيما يلي لائحة ببعض أبيات الشعر والأمثلة العربية القديمة التي ذكرت القار:
“لا أفعله حتى تبيّضُّ جُونةُ القار” ربطت العرب بين القار وشدة سواده واستحالة تغير لونه، فذكروا العديد من الأمثال في هذا المجال. وذكر ابن رشد في شرح البرهان “وكذلك حمل البياض على الثلج، والسواد على القار”. ويقال “لا أفعله حتى تبيض جونة القار” للتعبير على استحالة رغبة الشخص في فعل شيء ما. وورد في لسان العرب “لا أَفعله حتى تَبْيضَّ جُونةُ القار؛ هذا إذا أَردت سوادَه، وجَوْنةُ القار إذا أَردت الخابية، ويقال للخابية جَوْنة، وللدَّلْو إذا اسودَّت جَوْنة”. و قال مُعاَوية الضَّبِّيُّ: فهذا مَكاني، أَو أَرَى القارَ مُغْرَباً، وحتى أَرَى صُمَّ الجبالِ تَكَـلَّـمُ وذكر في لسان العرب أن المُغْرَبُ هو الأَبيضُ ومعنى البيت أَن الشاعر وَقَعَ في مكان لا يَرْضاه، وليس له مَنْجىً إِلاّ أَن يصير القارُ أَبيضَ، وهو شِبه الزفت، أَو تُكَلِّمَه الجبالُ، وهذا ما لا يكون ولا يصح وجوده عادة. وأَنشد ابن بري لشاعر: حتى تَبُولَ عَبُورُ الشِّعْرَيَيْنِ دَمـاً صَرْداً، ويَبْيَضَّ في مِقْراتِه القارُ و المَقارِي هي القُدور. “حتى يَشِيبَ الغراب ويبيضَّ القارُ” يضرب كمثل على استحالة حدوث الشيء، فالغراب لا يشيب لونه والقار أسود لا يبيّض. وهذا يدل على أن العرب عرفت الصفات الكيماوية للنفط منذ زمن بعيد.
“أبو نفط”
لم يوفق “أبو نفط” في مشاريعه فاضطر إلى بيع امتيازه في البحرين وخسارة امتيازه في السعودية. ولو تمكن أبو نفط من جمع المال واكتشاف ما تم اكتشافه فيما بعد، لأصبح دون شك، أغنى رجل في العالم. عندما سئل “أبو نفط” عن سبب إصراره على وجود النفط في المنطقة رغم اقتناع الجميع في ذلك الوقت بعدم وجوده, قال “إن النصيحة النظرية تختلف عن العملية لأنها قد تكون خاطئة جداً” واستمر قائلاً بعد أن وضع إصبعه على أنفه وقال “هذا هو خبيري الجيولوجي. لقد عرف من رائحة التربة أن النفط موجود في المنطقة”. رغم هذا، فلا بد أن نذكر ذلك التاجر العربي المجهول الذي ذكر وجود النفط لـ “أبو نفط” عندما التقاه في أديس أبابا. فالعرب عرفوا النفط منذ زمن بعيد، ولكن سيطرة الاستعمار وقتها منعتهم من تطوير العلوم والتكنولوجيا اللازمة لاستخراج النفط.
Comment