آثار هبوط الليرة التركية وعملات الاقتصادات الناشئة في أسواق النفط

أنس بن فيصل الحجي
حقائق
- النفط يسعّر ويباع ويشترى بالدولار الأمريكي، وهذا ينطبق أيضا على المنتجات النفطية. (التسعير كان دائما ومازال بالدولار حتى يومنا هذا، واستخدام بعض الدول لعملات أخرى لايعني التسعير بها، ولكن حصولها على مايساوي السعر بالدولار بعملات أخرى، وهذا ينطبق على العراق وإيران والصين وغيرها. بعبارة أخرى، علينا التفريق بين التسعير بالدولار، والحصول على العائد بغير الدولار. سعر النفط مقيما باليوان الصيني بالبورصة الصينية هو مرآة لسعر النفط بالدولار في المنطقة)
- المنتجات النفطية تباع محليا في الدول المختلفة بالعملات المحلية، ورواتب الموظفين في هذا البلد بالعملة المحلية أيضا.
- عائدات صادرات النفط للدول والشركات المنتجة تكون بالدولار الأمريكي
- التجارة العالمية للدول المنتجة للنفط تكون عادة بالدولار وبالعملات الرئيسة الأخرى
- لكل دول نفطية عملائها التجاريين، ونسب التعامل مع الدول الأخرى تختلف من دولة نفطية لأخرى.
- شركات النفط العالمية تعمل في كافة أنحاء العالم، وتستخدم عملات مختلفة.
- أخيرا، في الوقت الذي يركز فيه الإعلام على هبوط الليرة التركية، إلا أن الواقع أن الهبوط كان في عملات كل الاقتصادات الناشئة. ويذكر أنه أثناء كتابة هذا المقال هبطت الروبية الهندية إلى أدنى مستوى لها مقابل الدولار تاريخيا.
تبين الحقائق السابقة مايلي:
- أن تغير أسعار الصرف في صميم تجارة النفط العالمية، لذلك لايمكن تجاهل تغير أسعار الصرف، وبالتالي فإن ما يحصل الآن في عملات كل من تركيا والهند والأرجنتين والبرازيل وجنوب افريقيا والصين وهنغاريا وأندونيسيا يؤثر مباشرة في أسواق النفط.
- أن أسعار الصرف تؤثر في الدول المنتجة للنفط من نواح عدة، لذلك فإن حكوماتها مهتمة بما يحصل لعملات الدول المذكورة أعلاه، خاصة إذا نتج عن انخفاض هذه العملات تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي، وبالتالي تباطؤ نمو الطلب العالمي على النفط.
- هذه الأمور جدية وخطيرة ولايمكن التعامل معها بالعاطفة.
الآثار المباشرة لارتفاع الدولار وهبوط عملات الدول الأخرى:
- الحقيقتين 1 و 2 أعلاه تقولان بأن الدول المستهلكة تستورد النفط ومنتجاته بالدولار وتبيع المنتجات داخليا بالعملة المحلية. انخفاض العملة المحلية أمام الدولار يعني ارتفاع الأسعار داخل البلد بنفس نسبة الانخفاض في سعر العملة.
وهذا مثال للتبسيط فقط: بفرض أن تركيا تستورد لتر البنزين بدولار أمريكي واحد عندما كان الدولار يساوي 4 ليرات. هذا يعني أن تكلفة الليتر في تركيا أربعة ليرات تركية. عندما انخفضت العملة التركية وأصبح الدولار بستة ليرات، وبفرض ثبات سعر البنزين، أصبحت تكلفة لتر البنزين ستة ليرات، بزيادة 50% بسبب فرق سعر الصرف فقط. هذا الارتفاع الكبير في الأسعار سيحد من الطلب على البنزين، وبالتالي على النفط.
المشكلة أن هبوط العملات يشمل كافة الاقتصادات الناشئة بما في ذلك الهند والصين والأرجنتين والبرازيل وجنوب افريقيا، ولكن بنسب مختلفة، الأمر الذي يفاقم الأثر في نمو الطلب العالمي على النفط. كما أن بعض عملات الدول الصناعية في أوروبا وآسيا انخفضت أمام الدولار أيضا، والفكرة نفسها تنطبق عليها، لذلك فإن أخطر أمر يهدد أسعار النفط في السهور القادمة هو استمرار الدولار الأمريكي بالارتفاع مقابل عملات هذه الدول.
باختصار، ما يحصل الآن يهدد نمو الطلب العالمي على النفط، وينتج عن ذلك انخفاض أسعار النفط وبالتالي انخفاض إيرادات الدول النفطية، وبالتالي تباطؤ نموها الاقتصادي، وانخفاض دخول الأفراد والشركات.
- الحقائق 3 و 4 و5 يشيرون إلى أن القوة الشرائية لكل برميل مُصدّر من النفط أعلى من قبل بسبب ارتفاع الدولار. بعبارة أخرى، برميل النفط يشتري كميات أكبر من السلع من الدول التي هبطت عملتها. مثلا، إذا كان برميل النفط يشتري 10 أكياس سكر قبل هبوط الروبية الهندية، فإنه يشتري الآن 12 كيس سكر. (الأرقام أمثلة فقط للتبسيط)
إلا أن الدول النفطية التي ترتبط عملتها بالدولار تستفيد أكثر من الدول النفطية التي عوّمت عملاتها في هذه الحالة. ففائدة السعودية من ناحية القوة الشرائية أكبر من فائدة روسيا لأن السعودية تستفيد من ارتفاع الدولار مرتين، مرة من بيع النفط، ومرة من ارتفاع قيمة عملتها وزيادة قوتها الشرائية. أما روسيا، فتستفيد من ارتفاع الدولار في عمليات بيع النفط، ولكن هبوط عملتها مقابل الدولار يعني أن المنافع أقل من تلك التي تجنيها السعودية. (هذا الأمر يختلف بالنسبة لشركات النفط كما سنرى فيما بعد)
كما تختلف استفادة الدول النفطية من ارتفاع الدولار مقابل العملات الأخرى باختلاف عملائها التجاريين. فالدول النفطية التي تعتمد بشكل كبير على واردات من دول انخفضت عملتها مقابل الدولار تستفيد أكثر من الدول التي تعتمد على واردات من الولايات المتحدة أو على دول لم تنخفض عملتها مقابل الدولار. باختصار، الدول التي تعتمد بشكل أكبر على استيراد سلع من الهند وتركيا والأرجنتين والبرازيل ستستفيد أكثر من الدول التي لاتعتمد عليها كثيرا، وسينعكس هذا على القوة الشرائية للافراد في الدول النفطية.
ورغم هذه الايجابيات لبلد مثل السعودية، إلا أن هناك آثار سلبية عديدة ذكر بعضها سابقا مثل انخفاض الطلب على النفط. إلا أن الأمر يمتد إلى أمور أخرى مثل: تأثرالصادرات غير النفطية سلبيا بسبب ارتفاع الدولار، وبالتالي الريال، وبشكل خاص صادرات البتروكيماويات. كما أن تكاليف الحج تصبح عالية، وربما عالية جدا على مواطني بعض الدول، مما يؤثر سلبا في عدد الحجاج والمعتمرين، وبالتالي في إيرادات الدولة من هذا القطاع. كما أنه قد يؤثر سلباً في قطاع السياحة الداخلية لأن السياحة الأجنبية في الدول التي انخفضت عملاتها تصبح رخيصة.
- الحقيقة السادسة والأخيرة تشير إلا أن شركات النفط تتأثر بأسعار النفط حسب عملياتها في الدول المنختلفة، وما إذا كانت عملات هذه الدول مرتبطة بالدولار أم لا، وما إذا كانت هذه العملات في صعود أو هبوط مقابل الدولار. بشكل عام فإن شركات النفط الوطنية في الدول التي تربط عملتها بالدولار تستفيد من ارتفاع الدولار بسبب زيادة القوة الشرائية لصادراتها النفطية، وانخفاض تكاليف المعدلات والخدمات من الدول التي انخفضت عملاتها. أما تكاليفها الداخلية فإنها لاتتغير لأن مدفوعاتها بالعملة المحلية المرتبطة بالدولار، وهذا ينطبق على أكثر دول الخليج. الأمور تصبح أكثر تعقيدا عند الحديث عن الشركات النفطية التي تنتج في بلدها الأم ولكن عملتها معوّمة ولاترتبط بالدولار. هذه الشركات تستفيد مرتين، مرة بسبب ارتفاع قيمة الدولار، الأمر الذي يزيد من قوتها الشرائية، ومرة بسبب انخفاض تكاليفها الداخلية بسبب انخفاض قيمة عملة بلدها. هذا ينطبق على الشركات الروسية المنتجة في روسيا والشركات الأوروبية العاملة في بحر الشمال. انخفاض الروبل واليورو يساعد هذه الشركات لأنه يخفض تكاليفها حيث أن الأجور وبقية التكاليف مدفوعة بالعملة المحلية التي تنخفض، بينما تحصل الشركات على أغلب عائداتها بالدولار، الذي يرتفع. ويتفق الخبراء على أن السبب الأساس لانتعاش إنتاج النفط الروسي بعد انهيار الاتحاد السوفيتتي هو انهيار الروبل، وسبب زيادة انتاج النفط الروسي عندما انهارات أسعار النفط في عام 2015 هو هبوط الروبل. أما شركات النفط الأوروبية العاملة في بحر الشمال فقد استفادت من هبوط اليورو في السابق لأن حوالي 60 في المائة من تكاليفها باليورو. و الأمور تتعقد أكثر عند الحديث عن شركات النفط العالمية التي تعمل في أكثر من 100 دولة وعشرات العملات. هذه الشركات تقوم بالتحوط لتغير أسعار العملات للتخفيف من مخاطر تغير أسعار النفط في استثماراتها في البلد المختلفة.
الخلاصة
تغير أسعار صرف العملات يؤثر باشكال مختلفة في صناعة النفط، الأمر الذي يعني تأثيرها في أساسيات السوق: العرض والطلب. وفي الوقت الذي يختلف فيه الأثر من الزمن القصير إلى الطويل، يختلف من دولة لأخرى ومن شركة لأخرى. إلا أن الحصيلة العامة لارتفاع الدولار الأمريكي وهبوط العملات الأخرى هو انخفاض أسعار النفط وذلك لأن النتيجة النهائية، سواء على المديين القصير أو البعيد، هو زيادة المعروض وانخفاض الطلب.
نحن نعيش في عالم مترابط، وانخفاض عملات اقتصادات الدول الناشئة يؤثر مباشرة في حياة المواطن في الدول المصدرة للنفط. فهبوط هذه العملات قد يرتد سلبيا على اقتصادات الدول النفطية إذا تباطئ الاقتصاد العالمي وانخفض الطلب على النفط وانخفضت أسعاره. من هنا فإن انخفاض عملات الاقتصادات الناشئة، خاصة الروبية الهندية، ستكون مصدر قلق لكل مواطن خليجي، لأنه، في النهاية، ستتأثر حياته بطريقة أو بأخرى بهذا الانخفاض.
Comment